الشتاء بستان الطاعات فأين المُشمِّرون؟
أقبل فصل الشتاء ببرده ومطره، ورعده وبرقه، وطول ليله وقصر نهاره، واذا كان لكل فصل خصائصه ومميزاته وآثاره وتبعاته
فما هي خصائص الشتاء وماهي تبعاته علينا كمسلمين ومؤمنين
وكيف يمكن للمسلم ان يستثمرها في جني مزيد من الثواب والأجر، وتحقيق مزيد من القربى من الله تعالى
إن المسلم الحق يحرص على استثمار كل وحدة زمنية من وقته، ويوظف كل ذرة من عمره وأنفاسه في طاعة ربه.. كما أنه لا يترك فرصة سانحة أمامه لتحصيل مثوبة من الله تعالى إلا واغتنمها، ولا يترك بابًا من الأبواب الموصلة إلى نعيم الآخرة إلا ويلج من خلاله.
والواقع أن في فصل الشتاء ما يعين على ذلك خير إعانة، ويساعد على ذلك خير مساعدة..
وصدق رسول الله صلوات الله عليه وسلامه عندما قال:
"الشتاء الغنيمة الباردة"رواه احمد والترمذي
ومعني كونها غنيمة باردة أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة.
ومن قال:"الشتاء ربيع المؤمن" ..
يقول ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -:
إنما كان الشتاء ربيع المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويتنزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، كما البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام.
السلف والشتاء:
قال عمر - رضي الله عنه –:
((الشتاء غنيمة العابدين))
وقال ابن مسعود:
((مرحباً بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام)).
ومن درر كلام الحسن البصري:
((نِعْم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه))
ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.
ورحم الله معاذاً حيث قال:
((لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً)).
وكان أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه – يقول:
ألا أدلكم على الغنيمة الباردة
قالوا: بلى.
فيقول: الصيام في الشتاء.
وجاء في كلام يحيى بن معاذ - رحمه الله - ناصحا:
الليل طويل يا مسلم فلا تقصره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك.
بساتين الطاعة الشتوية:
أولا- قيام الليل:
بما ان الليل يطول في الشتاء ويقصر فيه النهار فان المسلم يكتفي ويأخذ حظه من ساعات النوم التي ينامها ليستيقظ مبكرا قبل الفجر فيكسب صلاة الفجر التي طالما غفل عنها او تثاقل عنها الكثير من المسلمين ,ويتمكن من إحياء الليل مستذكرا قول الله تعالى:"تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم..."
ومتشبها بالصالحين اذ يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
ثانيا- الصوم:
ان قصر النهار في الشتاء يشكل دافعا قويا للمسلم كي يصوم ما ييسر الله له من أيام الشتاء التي لا يشعر فيها بالعطش ولا حتى الجوع كما هو الحال في الصيف.فيستحب للمسلم ان يصوم كل اثنين وخميس فان لم يستطع فصيام الايام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري.
وانها لفرصه سانحة لاخواتنا النساء اللواتي يفترض بهن ان يقضين ما افطرنهه من أيام في رمضان،وفرصه كذلك لكل يريد القضاء اوكان في ذمته نذر بالصيام اوكفارة.
ثالثا- الإنفاق:
ان قر الشتاء وبرده وما يبذله وما ينفقه الانسان فيه من جهود ونفقات ضخمة وقايه لنفسه وحرصا على تحصيل الدفْ ، يجعل المسلم يتذكر ويستشعر حال أولئك الفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون من الملابس ما يقيهم لفحات البرد القارص ولا زخات المطر الهاطل ولا يجدون سترا يسترهم او ماوا يؤويهم ،اذ الارض فراشهم والسماء لحافهم.ولسان حالهم يقول:
أتـدري كيـف قابلنـي الشتاء *** وكيف تكون فيه القرفصاء
وكيـف البـرد يفعل بالثنايـا *** إذا اصطكت وجاوبها الفضـاء
فـإن حل الشـتاء فأدفئونـي *** فـإن الشـيخ آفتـه الشـتـاء
أتدري كيف جارك يا ابن أمي *** يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤساً *** وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجاً *** فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
هـذا الآدمـي بغـيـر دار *** فهل يرضيك أن يزعجه الشتاء
يجوب الأرض من حي لحي *** ولا أرض تـقيـه ولا سمـاء
معاذ الله أن ترضـى بهـذا *** وطفـل الجيـل يصرعه الشتاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق *** ولا تحـنو؟ فمنـا هذا الجفـاء
أخي بالله لا تجـرح شعوري *** ألا يكفيـك مـا جـرح الشـتاء
رابعا- الدعاء والاستغفار:
ان الاستيقاظ المبكر يمنح المسلم الفرصة لكي يكون من المستغفرين في ساعات السحر التي يستجاب فيها الدعاء وممن قال لله فيهم:"وبالاسحار هم يستغفرون".
وعلينا ان لا ننسى الادعية التي علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر او هبوب الريح اوسماع البرق والرعد.
فيُستحب الذكر عند نزول المطر (الغيث) بان نقول:
"اللهم صيبًا هنيئًا". (خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة)
و "اللهم صيبًا نافعًا" (أورده الإمام النووي في الأذكار )
وعند اشتداد المطر؛ علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول:
"اللهم حوالينا ولا علينا، الله على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر".
أما إذا عصفت الريح فقد علمنا أن نقول:
"اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أُرسلت به".
أما عند سماع الرعد فورد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمعه ترك الحديث، وقال:
"سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته".
وختاما ادعو نفسي والمسلمين عموما الى عدم تفويت الفرصة والتعرض لهذه النفحة الربانية فان العمر قصير والناقد بصير .
بقلم : الشيخ رأفت عويضة
الكاتب ـ نائب رئيس الحركة الاسلامية في فلسطين المحتلة
نقله للفائده / بوعبدالعزيز