ليس في الدنيا ولا في الآخرة أطيب عيشاً من العارفين بالله عز وجل ، فإن العارف به مستأنس به في خلوته ، فإن عمت نعمة علم من أهداها ، وإن مَرُّ مُرٌّ حلا مذاقه في فيه ، لمعرفته بالمبتلى ، وإن سأل فتعوق مقصوده ، صار مراده ما جرى به القدر ، علماً منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة ، وثقته بحسن التدبير.
وصفه العارف: أن قلبه مراقب لمعروفه ، قائما بين يديه ، ناظر بعين اليقين إليه ، فقد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح ما هذبها :
فإن نطقت فلم أنطق بغركمُ وإن سكت فأنتم عقد إضماري
إذا تسلط على العارف أذى أعرض نظره عن السبب ، ولم يرى سوى المسبب فهو في أطيب عيش معه ، وإن سكت تفكر في إقامة حقه ، وإن نطق تكلم بما يرضيه ، لا يسكن قلبه لا إلى زوجة ولا إلى ولد ، ولا يشبت بذيل محبة أحد ، وإنما يعاشر الخلق ، ببدنه وروحه عند مالك روحه.
فهذا الذي لا هم عليه في الدنيا ولا غم عند وقت الرحيل عنها ، ولا وحشة له في القبر، ولا خوف عليه يوم المحشر .
فأما من عدم المعرفة فإنه معثر لا يزال يضج من البلاء لأنه لا يعرف المبتلى ، ويستوحش لفقد غرضه لأنه لا يعرف المصلحة ، ويستأنس بجنسه لأته لا معرفة بينه وبين بربه ، ويخاف من الرحيل لأنه لا زاد له ولا معرفة بالطريق.
وكم من عالم وزاهد لم يرزقا من المعرفة إلا ما رزقه العامي الباطل ، وربما زاد عليهما ، وكم من عامي رزق منهما مالم يرزقاه مع إجتهادهما ، وإنما هي مواهب وأقسام( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ).