هكذا كانوا في قضاء الحوائج .. فهل نكون ؟
هاهي الدنيا تزيد فتنتها، وتكثر مشاغلها، وتتضاعف متطلباتها، وبركة الوقت لا تكاد توجد، والناس منشغلون في أعمالهم، غارقون في خضم هذه الدنيا، منهم من وصل المناصب العليا والمراكز المرموقة، ومنهم من كان دون ذلك, وهم كلهم وعلى اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم لا غنى لبعضهم عن بعض ، كما قال الشاعر:
الناس بالناس ما دام الحياة بهم == والدهر لا شك تارات وهبات
فحاجة للناس لبعضهم أمر لا بد منه، لكن من الناس من أنعم الله عليه ووسع عليه في الرزق، يستطيع أن يقضي حاجاته من خلال استئجار من يقضيها له، ومنهم من قُدِر عليه رزقه لا يملك القدرة على ذلك، وقد لا يملك الوقت أيضاً لانشغاله بوظيفة أو عمل طويل ونحو ذلك .
يقولون - .
أما المؤمنون فلهم شأن آخر، إذ يتعاملون في هذه القضية مع الله تعالى. فتجد الواحد منهم لا ينتظر أخاه حتى يتملقه ليقضي حاجته بل يبادر بنفسه دون طلب من أخيه، فهذا أبو بكر رضي الله عنه وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم فلما استخلف قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها . فقال أبو بكر وإني لأرجو ألا يغرني ما دخلت فيه – يعني الخلافة – عن شيء كنت أفعله أو كما قال .
وهذا عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة ، فدخل إليها فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها ما يصنع هذا الرجل عندكِ . قالت : هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدنا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى ، فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة عثرات عمر تتبع .
وذاك عبد الله بن عثمان – شيخ البخاري - : ما سألني أحدٌ حاجة إلا قمت له بنفسي فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان .
ما الذي حملهم على ذلك ؟
إنه الإيمان الصادق بوعد الله تعالى إذ يقول سبحانه: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا } [ النساء: من الآية85 ]
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال : ( اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء ) . صحيح البخاري
قال ابن كثير : وقوله: { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها } ؛ " أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك " [ تفسير ابن كثير] .
بل إن الله يقضي حاجة من يقضي حوائج إخوانه كما اخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) [ البخاري] .
فمن منا اليوم يتعامل من حاجات إخوانه بهذا المقياس العظيم ؟
ومن منا اليوم يقضي حاجاته من خلال قضاء حوائج إخوانه المسلمين، ويستشعر أن ما يناله بقضاء حاجة إخوانه أكثر مما ينالونه هم منه؟
ومن منا يحافظ على نعمة الله عليه من خلال قضاء حوائج الناس لأن قضاء حوائج الناس سبب من أسباب دوام النعمة على صاحبها، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال ) رواه الطبراني
ولقد أدرك ابن عباس فضل قضاء الحوائج فترك اعتكافه في المسجد ليمشي في حاجة أخ له، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين ) رواه الطبراني.
وقال مجاهد : صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني .
هكذا كانوا في حرصهم على قضاء حوائج إخوانهم .. فهلا نكون؟
نامل من الله ذالك وان قل ما نقدمه اهم شى إن تساعد بقدر المستطاع المحتاج
والله الموفق