منوال يتكرر كل يوم: إقالة أشخاص، ونقل آخرين كانوا في محل الأمانة والثقة؛ استغلوا مناصبهم لمصالحهم الخاصة وتعطيل مصالح الناس، منعوا حقوقاً وظلموا مستحقين، تلاعبوا، وربما اختلسوا أموالاً، أو ارتشوا لتسهيل معاملة أو تحقيق مأرب خاص، يمارسون صنوف التلاعب والأذى واستغلال السلطة، وتعطيل مصالح الناس وتعطيل المشاريع التي تدخل تحت مسؤولياتهم، يذودون عن مناصبهم بكل ما أوتوا من قوة، فيضربون يمنة ويسرة بسيف سلطتهم كلَّ فرد يُشكّل خيال خطرٍ على مواقعهم!! يتمثلون بأفعالهم وممارساتهم قول الشاعر الجاهلي:
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه *** يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
منهم من يكون مديراً في الواجهة، وحقيقته شخصية فيها همة التسلط والقيادة، لكنها ضعيفة القدرات، فيها براءة الأطفال!! وخيال ذوي الأحلام! فيقْدِم على ما لا يحسن، ويتولى المهمة أقزام من صغار الموظفين من خلف الستار، فهي إدارة بالنيابة!!
فإذا استشرى فسادهم - أي المتسلطين بالأصالة أو بالنيابة - واستوفوا الظلم والفتك بالناس، وامتلأت جيوبهم وحققوا مصالحهم، وبلغت القلوب الحناجر من أفعالهم، وكثر العويل من صرْعاهم، وظهر دخان نار فسادهم فكاد يحرق من حوله، انتبه المسؤولون لهم انتباه الأسد!! وأنزلوا بهم أشد العقوبات!! يا تُرى ما هذه العقوبات..؟ أن يعفى أحدهم من منصبه في أسوأ حال، ويبقى موظفاً حراً طليقاً يتفرغ للتنعم بالغنائم التي غنمها بكده وعرق جبينه! إذ هو في حاجة إلى وقت وافٍ لتصنيفها وفرزها والإشراف عليها ومن ثم تنمية هذه الموارد غير المباركة! أو يتم نقله لمدينة أفضل من مدينته؛ ليمارس سياحة أو نقاهة واسترخاءً، ولا مانع أن يعود بعد شهر أو شهرين لعمله الأول، وذلك بعد أن ينخفض مستوى ضغط المتضررين! وتخف حرارة آلامهم بهذا الفتح المبين!! وأحياناُ قد يُكرّم بأن يوضع في وظيفة أفضل!!
صحيح أن النخوة العربية شيمة من شيم بلادنا، وأن الرحمة مأمور بها، وهي صفة من صفات المؤمنين، وأن الشفاعة الحسنة فضلها كبير، لكن لغير الفاسدين ولغير المستهترين بالنظام!! والمستغلين للنفوذ!! والمسيئين في حق إخوانهم الموظفين والمراجعين من المواطنين، وإلا فأين حق المظلومين وحقوق المراجعين المهضومين؟!! وأين عقوبة الفساد؟! واستغلال الممتلكات العامة! وتعطيل الأعمال! وإعاقة المشاريع الواجب تنفيذها!
بل أصبح شعاراً مرفوعاً لدى الفاسدين (أن يمارس الفاسدُ عربدته إدارياً ثم يعلم أن عاقبة أمره يسراً لا خسراً)، ولا غرابة أن يكون ذلك مدعاة للفساد. إنّ تصريحات ولاة الأمر - وفقهم الله - تتكرر بخصوص محاربة الفساد والتشجيع على التبليغ عنه، وقد عُمّم بذلك استراتيجية لمكافحة الفساد، لكنها لم تقابَل بالترحاب من محبي الفساد! ولم نجد تفعيلها على الواقع، بل لا نجد تطبيقاً لأبجديات مكافحة الفساد، فعلى أبسط الأبجديات يتم اختيار أشخاص في الإدارات والمواقع الخدمية بل والتعليمية بشكل عشوائي، ويترتب على ذلك فساد مالي وأضرار اجتماعية، بينما لا نجد أدنى عناية بمعايير تحليل الشخصية في المسؤوليات التي تُعنى بخدمة آلاف البشر!! ورغم أن هذه الاختبارات التي سبقنا إليها الغرب، وأصبحت تُطبّق في أمريكا وأوروبا وإسرائيل!! وغيرها بنسبة تصل إلى 80 و90 % بل تتم بطرق متنوعة عن طريق الأسئلة الشفهية المباشرة، وأحياناً الهاتفية التي من خلالها يحدد الخبير مناسبة هذا الرجل للمكان المتقدم له، بل هناك برامج حاسوبية مشهورة عالمياً لتحليل شخصية المتقدم والوظيفة المناسبة له سواء كان قيادياً أو مديراً تنفيذياً أو سكرتيراً أو حتى مراسلاً!!! من خلال أسئلة يجيب عنها المتقدم، مثل برنامج (دسك)، بل تعدى تحليل الشخصية إلى الاستعانة بالخبراء في التحليل من خلال خط اليد الذي يُعدّ بصمة للدماغ كما يقرره العلم الحديث بالدراسة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت العديد من الشركات الأهلية في الخليج العربي تعمل بهذه المعايير، لكن هذه المعايير مُحرّمة الدوح على بلابل وزاراتنا وإداراتنا الحكومية!! فهل تُلزَم هذه الجهات بتطبيق هذه المعايير، ولاسيما على المواقع الإدارية القيادية بوصفها خطوة أولى؛ لنبرهن بإجراء صادق على الواقع أننا نواجه الفساد! أم نبقى نتفرج على الحطام الذي خلفه الفساد، وعلى ضحايا الفاسدين إدارياً، ثم تدوي صيحات المسؤولين بالإنكار والتهديد، وتُرفع الشعارات وتُكتب المقالات! والمعلقات!! ثم ما فات مات! وكل ما هو آت من الفساد آت!!!
ياكثرهم بالبريد
منقول