لأنه كان يخاطب الإنسان
عزيز نسين ما زال يعيش في قلوب الأتراك
نقـلا من صحيفـة الـيـوم
أجمع عدد من الكتاب والباحثين ومحبي عزيز نسين على أنه صاحب نزعة إنسانية. وفي استطلاع قامت به (اليوم) تبين أن الكاتب الساخر عزيز نسين ما زال رغم وفاته قبل عدة سنوات يحظى باحترام وتقدير من قبل القراء والأدباء ومتابعي الأدب بشكل عام، حيث إنه استطاع أن يخترق حاجز المحلية لينطلق إلى العالمية من خلال العديد من الجوائر التي حصل عليها من ألمانيا ودول أخرى، ومن خلال الترجمات العديدة التي حظيت بها كتبه منها ترجمة أغلب رواياته ومجموعاته القصصية إلى العربية. ويظل عزيز نسين، الاسم البارز والأشهر على الصعيد الروائي والقصصي والمسرحي في تركيا وعلى الصعيد العالمي في مجال الأدب حيث ترجمت أعماله الأدبية إلى جميع اللغات العالمية.
ويتميز الكاتب الروائي نسين عن جميع كتاب تركيا والعالم الثالث في مجال القصة القصيرة الساخرة. حيث نجح الروائي الذي فارق الحياة عام 99م في شرح هموم وأوجاع الشعب التركي المقهور من خلال كتابة أروع القصص الساخرة التي جعلته أحد أهم كتاب القصص الروائية في العالم من خلال سخريته الرائعة ذات الصوت السياسي المدفون في أعماق الفكرة التي توحي إلى حالة معينة. واتباع طريقة السخرية المريرة الناقدة تتماثل مع السخرية الفلوكلورية التي تغلف حكايات قديمة لجحا التركي.
ويقول الكاتب الصحفي دوغان هيزلان إن الكثير من النقاد والدارسين للأدب العالمي وطيلة العقود الماضية بحثوا في جل النتاج الأدبي الذي يمثل القصة القصيرة والرواية الساخرة فلم يعثروا على أحد الكتاب المعاصرين ليتم اختياره رائدا للأدب السياسي الساخر. لكنهم توافقوا جميعا على اعتبار عزيز نسين من أبرز الكتاب في مجال الإنتاج الأدبي الذي يحمل سخرية سياسية وهجوما لاذعا على منصات الفساد الإداري والسياسي والاجتماعي في الدولة فضلا عن ابتكار مسرحيات كثيرة عن الحياة الاجتماعية التركية من خلال جمع النماذج الشخصية التي ابتكرها من الواقع اليومي للمواطن التركي الذي يعتبر قصص نسين كوميديا إنسانية فريدة من نوعها وفي نفس الوقت أداة مدهشة للتحليل الإبداعي لجعل الواقع الاجتماعي أو السياسي لوحة كاركاتيرية انتقادية قوية مع استخدام لغة سلسة ومبالغات مقبولة لخدمة أغراضه الفكاهية الساخرة.
ويضيف هيزلان أن نماذج القصص المترجمة لعزيز نسين إلى لغات العالم تحظى باهتمام النقاد والباحثين وقال (لا اعتقد أن هناك مواطنا تركيا بالغا لم يقرأ ما كتبه نسين الذي كان يدعو المواطن للتعايش مع الظروف الصعبة بالفكاهية الساخرة لتقبل واقع الحال. لكن نحن قرأنا ماكتبه نسين كثيرا، فماذا عن أطفالنا وخاصة أن هذه الكتب تباع بأرخص الأثمان في تركيا حاليا؟).
ويواصل الكاتب التــركي بالقول لو نجحنا حاليا أن نعود أطفالنا على قراءة هذه الكتب والتعايش مع واقع الحال بالفكاهية والسخرية، فإننا سننجح في تهيئة مجتمع يتقبل إيجاد الحلول بالنقاش وليس بالصراع.
فيما يؤكد أحد عشاق عزيز نسين سيف الدين طوكماخ وهو باحث صحفي خريج جامعة (يدي تبة) قسم السينما والتلفزيون أن نسين كان فريدا من نوعه لا يتكرر وقال (لم أنس في حياتي صرخة نسين عندما قال (آه .. منا نحن المثقفين الجبناء) لأنه لم يقل ذلك إلا حين أدرك خطورة انهزام المثقف قبل خطورة انهزام السياسي .. فالمثقف يقود وعي الأمة، وانهزامه يعني اهتزاز الأمة وسقوطها.. لأن حضارات الأمم تقوم على وعيها وفكرها وليس على سيفها ورمحها). وأضاف قائلاً (لقد حدثنا التاريخ عن آلاف المعارك التي كانت تنصب في مضمار الصراع حول المال والنساء والأرض والسلطة وغالبا ما انتهت بين الغالب والمغلوب. غير أن معارك الفكر نجحت في حفر مكانة لها في التاريخ وأصبحت المسار الذي شق للإنسانية طريقا نحو التقدم والازدهار، حيث إن الكثير ما أصبح فرسان الفكر كالشعل المتوهجة في الظلام ينيرون دربا طويلا للأجيال من خلال سقوطهم ضحية لحرية الرأي والمعتقد. لكن جبناء الفكر كانوا سببا في تخلف العصور التي مرت بها أمتهم نتيجة انهزامهم من بداية الطريق وتزوير التاريخ وتشويه الحقيقة لتضليل الشعوب. لذلك، فإن صرخة عزيز نسين جاءت لتهز وجدان المثقفين الذين يخضعون لرؤسائهم في هذا العصر).
الطالبة الجامعية أصلي إردوغان تؤكد قراءتها غالبية القصص القصيرة لعزيز نسين مشيرة إلى أن أفكاره كانت متنوعة وقالت (يكبر إعجابي بنسين عند قراءتي كل قصة من قصصه. حيث إنه كاتب إنساني كبير يهاجم حالات انعدام القانون ويرصد حالة الفوضى ويبحث عن تأكيد القيم الإنسانية ويطالب برفع الظلم عن الناس أينما كانوا. ويؤمن بدور الكاتب المتميز والمتقدم في الدفاع عن الشعب ومواجهة الظلم والطغيان والتردي الحزبي، وله فضل كبير على الآداب التركية في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة بخلخلة التركيبة الاجتماعية وتغييرها وعلى توعية الشعب).
وأشارت أصلي قائلة (إن من اشد القصص السخرية التي قرأتها من قصص عزيز نسين هي قصة بعنوان " واجب وطني ". وهي قصة تروي حدثا جرى في سجن دخله سارق كان قد ابتعد عن السرقة وتاب، فيرحب به أصحابه من السجناء القدامى ممن حكم عليهم بالمؤبد وينكرون عليه عودته إلى السرقة فينكر بدوره ذلك ويؤكد لهم براءته، ثم يقعد ليحكي لكبير السجناء قصته ويقسم الأيمان المغلظة أنه بريء ويروي لهم كيف استدعاه مدير المخفر ليقوم بالواجب الوطني فلا يفهم قصد مدير المخفر ثم يتبين له أن واجبه هو القيام بعمليات سطو متتابعة على أعضاء فريق قادم من ألمانيا وأمريكا لزيارة البلاد ثم الإسراع إلى المخفر ليسلم مديره ما سرقه من الوفد، ويعتذر السارق القديم عن القيام بهذا الواجب ويؤكد إقلاعه عن القيام بمثل هذه الأعمال ولكن المدير يضغط عليه ويهدده إذا رفض تنفيذ المهمة وسيعمل على إلصاق مئات التهم به ويؤكد له أن الغاية هي إظهار رجال الشرطة بمظهر القوي القادر على تتبع المجرمين وإلقاء القبض عليهم...).
ورغم انتقاد بعض الأوساط لفكرة عزيز نسين في الكتابة، إلا أن الكثير من المثقفين والكتاب يؤكدون على ضرورة استمرار تجديد طبع قصص هذا الكاتب الكبير وبيعه بأقل الأسعار في تركيا لدعم تطوير التفكير المعاصر للمواطن التركي وخصوصا أن الموضوعات التي أنشأ عليها عزيز نسين أعماله الأدبية كلها تعكس الحياة التي عاشها لأنه كان كاتبا وطنيا ذا نزعة إنسانية احترم جميع الآراء والاتجاهات والميول. وظل دائما يحترم الإنسان ويحبه ويتعاطف معه ويقف إلى جانب المظلوم ويرفع صرخته المدوية بوجه الظالم. الأمر الذي جعله نجما من نجوم الثقافة التركية من خلال الوصول إلى العقول الكبيرة.
ولعل الكثيرين من قراء الوطن العربي لا يعرفون هذا الروائي والكاتب الذي كتب في جميع مناحي الحياة متعقباً حياة الإنسان المطحون، ليجعله أحد أهم أبطاله، وساخراً من جميع قوى الشر التي كانت تتمثل في مجتمعه سواء من كبار التجار أو المتنفذين أو قوات الشرطة، التي قليلاً ما يتناولها نظراً لأن العامل في الشرطة بنظر نسين هو إنسان مقهور أيضاً، فهو يتعاطف معه في كثير من الأحيان
تحيه طيبه