النجاح أمر يصبو اليه كل طموح ويعمل من اجله كل مثابر، هو هم يبقى مسيطراً على الاذهان ومخيماً على العقول فيراه الانسان امامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله بل يراه متمثلا امامه في كل شيء، هو حلم يأتي في دقائق فتسخر له الايام والاسابيع والاشهر والسنين ليكون واقعاً، هو امل يستعذب الانسان من اجله الألم ليتمكن من تحقيقه، انه الهم الوحيد الذي يطلبه المرء ويتمنى زوال غيره من الهموم، هم النجاح الذي هو هاجس كل انسان يترقبه ويسعى من اجله ويتمنى الحصول عليه فاذا ما جاء اصبح غماً، فالنجاح مرحلة وهو خطوة بل هو خطوات على سلم طويل من درجات متتالية وكل درجة فيه تقابلها مسؤولية، فكلما ارتقى الانسان في سلم النجاح كلما زاد همه وعظم غمه وكبرت مسؤوليته وثقلت الامانة التي حملها وعظمت المحاسبة، فالنجاح مرحلة ووسيلة وليس غاية فكم من نجاح اعقبه فشل وكم من نجاح تلاه تراجع وتدهور لأننا لم نقدر اننا في مرحلة تتطلب منا عملا اكبر فهو ليس نهاية المطاف بل هو بداية التعب والمشقة. انني اتمنى من كل شخص يصبو نحو النجاح ان يعد العدة ويشمر عن ساعديه ويهيئ نفسه لمزيد من التعب والتضحيات ومزيد من الغم والمنغصات ومزيد من الوقت الذي يبذل في العمل وفي حل المشكلات وان يعتقد جازماً ان النجاح سيتلوه فشل ان لم يكن اهلاً لأن ينجح ويواصل نجاحه وسيتلوه تراجع ان لم يكن مؤهلاً لما وصل اليه وسيتلوه انهيار ان لم يبن نجاحه على اساس قوي ليكون صامداً في وجه الاعاصير قوياً امام الامواج. انه غم المسؤولية التي اذا لم نستشعرها ونجعلها نصب اعيننا فإننا سنضيع ما بين ايدينا وسنقضي على ما عملنا على تحقيقه لسنوات طوال وسيتلاشى كل بنيان شيدناه في الماضي وسنقف على اطلاله نتمنى ان لم نبنيه او اننا بنيناه على اساس قوي او اننا لم نكسل او نسوف او نؤجل او نتراخى. انه النجاح الذي يجعلنا نقدم افضل مما يتوقعه الآخرون، وهو النجاح الذي يجعلنا نعطي اكثر مما يطلبه الآخرون، وهو النجاح الذي يجعلنا نسبق الآخرين فيما يفكروا فيه فضلا عما يطلبونه، ويجعلنا نتنافس فيما بيننا في الصعود نحو القمة بعلم واسع وثقافة شاملة ورأي ثاقب وهمة عالية واقدام صلبة ثابتة وارواح نقية صافية، هو النجاح الذي تختلط فيه الروح بالعمل فلا تفرق بينهما وتتساوي فيه لذة العمل والانجاز بالملذات الدنيوية الاخرى بل تتفوق عليها فيجد الانسان نفسه منغمساً في عمله من اعلى رأسه إلى اخمص قدميه واضعاً نصب عينيه كيف يرتقي بما بين يديه من عمل ليجعله افضل مما هو عليه الآن بل كيف يمكن ان يواصل تطويره وجعله في صورة نموذجية لا تخطر على بال ولم يتم التفكير فيها من قبل. هي همة الاحرار التي كسرت قيد الشهوات وخرجت من قفص الملذات وبدلت نشوتها لتكون في تحقيق الانجازات وجعل الاحلام واقعاً وعملت لأن تقود الناس لا بالشعارات او الحملات الدعائية او الخطط الوهمية بل بالاعمال والافعال التي ظهرت نتائجها للعيان فلمسها الصغير والكبير والغني والفقير وغدت نموذجاً وقدوة للآخرين يسعون خلفها ويعملون جاهدين لتقليدها. انها النفوس التي يكبر داخلها كل شيء وهي النفوس التي تتعب من اجلها الاجسام بل يتعب كل من له صلة بها من افراد او مجتمع او بيئة هي النفوس التي تكبر كلما كبر الزمن ويكبر بها المجتمع ويرتقي هي النفوس التي دأبها دأب الذين يرون ان كل شيء يمكنه ان يكون افضل وان يقدم بصورة افضل وان يحقق نتائج افضل. ان الانسان الذي لا يهتم بأن يكون ناجحاً ظناً منه ان في النجاح مشقه وان ذلك يتطلب كثيراً من السهر والتعب والوقت فهو محق الا انه قد حكم على نفسه بما هو اشقى من ذلك فقد حكم على نفسه بالموت وهو حي وبالاختفاء وهو موجود وبالزوال وهو بين الناس، ان من يؤثر العمل بأدنى حد من الهمة وباقل قدر من الطاقة وبنشاط محدود زاهداً في اي نتائج مميزة مستبعداً تحقيق اي انجاز يفتخر به فقد جنى على نفسه وكتب تاريخاً له سيخجل ان يقرأه هو قبل ان يقرأه الآخرون عنه. اننا كمسلمين ينبغي لنا ان نكون دائماً ناجحين ومتفوقين، وان نحمل هم النجاح في كل امورنا وان نقدر حجم المسؤولية في كل ما نقوم به وما نؤديه وما يطلب منا، فنحن الذين قدنا الأمم ولن تعود لنا هذه القيادة ما لم تكن لدينا هذه الروح وما لم نحمل هذا الهم

منقول للفائدة

جريدة المدينة - الجمعة 23 محرم 1426 - الموافق - 4 مارس 2005 - ( العدد 15290)