باتت اللعبة معروفة، كلما أحست طهران بقرب موعد دفع فاتورة خطأ من أخطائها، وضعت على طاولة الطرف الآخر فاتورة كيدية.
قبل سنوات، وفي أوجّ الغضب الكندي على طهران بشأن إخفاء جريمة قتل الصحافية الكندية من أصل إيراني "زهراء كاظمي"، أثناء احتجازها في سجن "إيفين" والادعاء أن الوفاة كانت نتيجة السقوط وليس بعد تعرضها للضرب المبرح على يد المدعي العام الإيراني وأعوانه، ورفض طلب ابن المتوفاة تسليم الجثة لتشريحها في جهة مستقلة ودفنها في كندا، في أوج ذلك، تذكّرت طهران مواطناً إيرانياً يدعى "كيوان" قتل في كندا، واتهمت على الفور الشرطة الكندية بالتسبب في قتله.
كان واضحاً أن اهتمام طهران بقضية مقتل الإيراني لم تكن إلا فاتورة أو شكوى كيدية، لأن الاهتمام لم يظهر إلا بعد إثارة قضية الصحافية الخمسينية، والأهم من هذا أنه لم يُعرف عن الكنديين تخليهم عن مواطنيهم، بينما يكفي المليون قتيل إيراني في الحرب مع العراق بسبب عناد النظام الإيراني وإصراره على الوصول إلى فلسطين عبر كربلاء، يكفي هذا لمعرفة قيمة المواطن الإيراني لدى نظامه.
اليوم تعود طهران إلى ممارسة لعبتها القديمة عوضاً عن أن تبادر إلى حل مشكلاتها العالقة مع المجتمع الدولي والتخفيف من الاحتقان الحاصل في علاقاتها مع جيرانها، حتى بات النظام الإيراني نظاماً من دون أصدقاء اللهم إلا بعض الأنظمة الشبيهة به، فتلجأ إلى لعبة الفواتير الكيدية التي ترسل شرقاً وغرباًً، وكلها تدخل ضمن الكوميديا ثقيلة الدم، آخرها استدعاء القائم بالأعمال الفرنسي وتسليمه مذكرة احتجاج بسبب (أرجو ألا يكون السبب مضحكاً) "الممارسات التي تقوم بها الدول الأوروبية ضد الصحوة الإسلامية في تلك الدول". وبالطبع هذه الفاتورة المضحكة ما صدرت إلى كيداً ضد الأوروبيين الذين يضغطون على النظام الإيراني لدفع أكثر من فاتورة مستحقة السداد.
لم تسلم دولة الإمارات من فواتير طهران الكيدية، فبعد رفض الإمارات الإجراءات الإيرانية في جزيرة أبو موسى، ومطالبتها الحكومة الإيرانية بإزالة الإنشاءات غير المشروعة والمتمثلة في فتح مكتبين إداريين في الجزيرة المحتلة، أبرز النظام الإيراني فاتورة مضحكة بعض الشيء بالنسبة لبلد مثل الإمارات يقيم على أراضيه مواطنو نحو 200 بلد، ينعمون بعيش كريم وأمن وسلام، وتستقبل مطاراته آلاف الناس من شتى الجنسيات كل يوم، ألا وهي فاتورة "إساءة معاملة مواطنيها في المطارات"!
رد وزارة الخارجية الإماراتية كان واضحاً، وهو "أن السلطات في مطارات الدولة تطبق عمليات التفتيش على جميع المسافرين دون أي تمييز بينهم... وتستخدم أحدث التقنيات العالمية في التفتيش وأكثرها تطوراً وتتم وفق أحدث المعايير وتطبق على جميع المسافرين دون استثناء ولا تستهدف جنسية دون أخرى... واستعداد السلطات المختصة للنظر في أية شكاوى أو ملاحظات محددة من أي مسافر".
وفوق هذا، فطهران تعرف جيداً أن مئات الآلاف من الإيرانيين يقيمون في الدولة ويحظون بالاحترام والتقدير، وإلا لما بقوا، أو بالأحرى "تهافتوا" على المجيء، فالذي "تساء" معاملته في المطار، من الطبيعي أن "يتبهدل" حين يخرج، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث لأن الإمارات ببساطة شديدة لا تحمّل الشعوب أخطاء حكوماتها، بل إنها تحاول أن تبقي علاقاتها ودية وأخوية حتى مع الدول التي لا تعرف شيئاً إلا الاستفزاز ورفع الفواتير الكيدية.