بقلم: المحامي محمد بن عبدالرحمن الدهش التويجري
سررنا بما حملته جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي من قرارات حكيمة، يُراد منها معالجة أوضاع حقوقية لا تنتظر سوى هكذا قرارات، يكون فيها من القوة ما تذلل لها الصعاب، ومن الحكمة ما تحل بها العُقد، تحمل في مضامينها استمرار النهج القويم بالعمل على كل من ما شأنه حفظ الحقوق، وإغلاق منافذ التلاعب بها قدر الإمكان.
ففي سبيل معالجة ظاهرة انتشار الشيكات المرتجعة لعدم وجود رصيد كاف لها، فقد أقر مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عدداً من الاجراءات التي ستساهم - بإذن الله - في الحد من هذه الظاهرة، منها تشديد العقوبات، وتحديد زمن للفصل في منازعاتها، وسن بعض التنظيمات للحد من بيروقراطية بعض الإجراءات.
ولعلي أنوه في هذا المقال عن أحد هذه القرارات، الذي فيه من الشمولية والعموم ما سيكون مردود النفع فيه لجميع أصحاب الحقوق، باختلاف مواضيعها وتعدد صورها، وذلك دون انحصار في نطاق الشيكات، فقد أقر المجلس الموقر: تشكيل لجنة في وزارة الداخلية تضم مندوبين من وزارات: (الداخلية، والعدل، والتجارة والصناعة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمالية «مصلحة الجمارك») ومؤسسة البريد السعودي، ومؤسسة النقد العربي السعودي، لدراسة تفعيل المواد الخاصة بالعناوين في نظام الأحوال المدنية ونظام الإقامة ونظام السجل التجاري، وذلك بإلزام كل مواطن أو مقيم أو مؤسسة أو شركة بوضع عنوان رسمي تنتج من المراسلة عليه الآثار القانونية، وأن يلتزم كل منهم في حالة تغير ذلك العنوان بتحديد عنوانه الجديد.
وبقراءة سريعة للمواد الخاصة بالعناوين في الأنظمة المشار إليها بالقرار، نجد أن نظام الأحوال المدنية في المادة التاسعة والعشرين منه قد أكد على أن محل إقامة الشخص المقيم في المملكة من حيث ممارسة حقوقه المدنية، ولغرض الإخطارات والتبليغات الرسمية التي توجه إليه، هو المكان الذي يقطنه على وجه الاعتياد، ومع هذا يعتبر محل ممارسة الشخص لعمله بصفة مستمرة محلاً لإقامته، وكذلك فقد أجاز النظام لمن أراد أن يحدد لنفسه عنواناً آخر يتلقى فيه الإخطارات، حيث نصت المادة الحادية والثلاثون على أنه يجوز لأي شخص أن يختار محل إقامة خاصاً يتلقى فيه الإخطارات والتبليغات التي توجه إليه بشأن مواضيع أو معاملات معينة، وذلك بالاضافة إلى محل إقامته العام.
من هنا يتضح أن نظام الأحوال المدنية قد تناول تحديد العناوين الخاصة بتلقي الإخطارات والتبليغات على سبيل الجواز، وأن من لم يحدد فيبقى على الأصل وهو محل الإقامة الدائم أو مكان ممارسة العمل المستمر.
أما نظام السجل التجاري فقد أكد في المادتين الثانية والثالثة منه على وجوب أن يتضمن السجل تحديد عنوان المنشأة بمركزها الرئيسي وفروعها إن تعددت.
وبالعودة لما تضمنه قرار مجلس الوزراء نجد أنه قد أوكل مهمة دراسة تفعيل هذه المواد للجنة المشار إليها، ومن بين هذه اللجنة مندوب مؤسسة البريد السعودي، الأمر الذي قد يعطينا دلالة على كون العنوان الذي سيُلزم به المواطنون والمؤسسات والشركات هو عنوان (بريدي) بحيث إنه بمجرد ثبوت إرسال الإخطار أو التبليغ للبريد المسجل باسم المرسل إليه فإنه ينتج عن ذلك الآثار القانونية المقصودة من الخطاب.
من وجهة نظري أرى أنه لكي تكتمل فائدة الإلزام بهذا العنوان، أن يتم ربط جميع الجهات القضائية بالجهة المسجل عندها جميع العناوين، بحيث إنه بمجرد ورود استدعاء أو لائحة دعوى للجهة القضائية فيتم تحويلها مباشرة إلى العنوان البريدي المسجل باسم الفرد أو الجهة المدعى عليها، وأيضاً بمجرد وصول الرسالة للصندوق البريدي المراد فيتم إرسال إشعار تنبيهي على جوال صاحب الصندوق، وبذلك يزول كثير من الاشكاليات التي تحدث في أقسام التبليغات، كثير منها ينتج عن عدم رغبة استلام هذه التبليغات والتهرب من ذلك، مما يعطي الفرصة للمراوغين والمماطلين للتلاعب بالحقوق والتسويف والتأخير المؤدي لكثير من الأضرار النفسية والاجتماعية والمادية، والتي جاء الشرع المطهر بوجوب إزالتها.
إن تضافر الجهود وطرح الأفكار والإطلاع على تجارب الدول المتقدمة في الجوانب الإجرائية من الأمور المهمة والتي نرى القائمين على الشؤون العدلية قد جدّوا فيها، فنشد على أيديهم، ونسأل الله لهم العون والتوفيق، والله تعالى أعلم.
http://www.alriyadh.com/2010/03/12/article505798.html