الشيخ عائض القرني : مقالات متفرقة
مقالات متفرقة
أمانة الكلمة
أوجب علينا الشرع أن نحاسب أنفسنا عن نطقنا أو كتابتنا؛ لأن كلامنا من أعمالنا، ويوجد من يقول على الله بلا علم، فيفتي في الدين بجهل، ويتكلم في المعتقدات والعبادات بلا ورع ولا تقوى، وهو عند نفسه مصيب، وغيره مخطئ، فإن وافقته على رأيه وفتواه فا،ت ولي صالح، وإن خالفته فأنت ضال منحرف، وأي لفظ يأتي على لسانه يتلفظ به، وأي خاطرة تحضره يلقيها على عواهنها، وإذا سل قلمه على صفحات الإنترنت فالويل لمن قصده، فلا تسمع إلا سبًّا سوقياًّ، وشتماً لا يليق إلا بسقط البشر ورعاع الناس، فليس عليه من الله رقيب ولا حسيب، فهو إما ساب أو شاتم، أو مضلل مفسق، أو مبدع، أو مكفِّر لا يبصر الحسنات، لا يعترف بالصواب، لا يرى الإيجابيات، لا يعجبه الفضل، بل يجمع الأخطاء ويقتنص الزلات، ويفرح بالعثرات، ومن أخطر المصائب على الأمة تكلم من لا يحسن، وفتوى من لا يتقن، وتصدر من لا يفهم، وتجد من يشتغل بعيوب الناس متشائماً مكدراً منغصاً، ويصبح لديه حاسة قوية في تصيّد الأغلاط، إذا سمع خطبة نسيها وذكر غلطة أو غلطتين فيها، وإذا قرأ كتاباً غفل عن كل فائدة فيه وأخرج لك منه خطأ، إذا مدحت له شخصاً قال لكن فيه كذا وكذا، يرى الجانب المأساوي المظلم في كل حادثة، ويحفظ الزلة من كل قصية، فالحكام في نظره ظلمة، والعلماء مراءون، والدعاة أهل دنيا، وطلاب العلم فاشلون، والمتدينون متزمتون، والتجار مرابون، والأدباء كذابون، أمّا هو فزاهد عصره، وفريد دهره، وفقه الله في نظره، وخذّل غيره وهداه، وأضل سواه خطؤه مغفور له، وغلطه له محمل حسن، وسيئته صغيرة، ومعاصيه لهارب غفور، لسانه وثاب على الأعراض، وقلمه ينهش عباد الله، له ديوان من الشتائم، وعنده سجل من السب. وأنا أذكِّر من هذا سبيله بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وحلمه ولينه وعفافه وخلقه العظيم، فإن قال أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول فأين أنت من علماء السلف كابن المبارك، أو أخيار الخلف كابن باز، وانظر ما أحسن سيرة هذين العالمين الإمامين، سلامة صدر، وحسن منطق، ورفق بالناس، وتواضع لعباد الله، وبعد عن الغيبة، ومع طهر سريرة، وصفاء منهج، وصحة يقين، وكرم نفس، وقبول عند العام والخاص فجمع