عبد العزيز المحمد الذكير
كانت الرقابة البريدية والمنع في ظل معظم الأنظمة في شرقنا العربي أكثر ما يقلق الناس التي تتراسل مع أبنائها في خارج القطر. فالرسائل كانت تصل إلى أصحابها مفتوحة أو ممزقة أو مشوهة ومختومة بعبارة «فتحت بمعرفة الرقيب»، وهكذا كانت حال البريد العربي في مرحلة الاختلاف ، وتقلّ فى مرحلة تحسّن العلاقة .
ويهتم الرقيب عادة بالأمور التي تعنيه .! ،أي لا يتدخل في شؤون الآخرين . وأحضروا في عالمنا العربي لُصقا خاصة يقول مضمونها لصاحب الرسالة " ترانا وراك وراك "
وعُرفت الممارسة في الغرب ، لكن أثناء الطوارئ والحروب . ونحن العرب لنا تاريخ متأصّل في الحذر الشديد وفتح الرسائل . وتذكر الروايات أن رجلا نجديّا كان يقيم في البصرة ، في العراق . وكان يتلقّى رسائل كثيرة من أخيه المقيم في عنيزة ، والأخير يحرص على إدراج كل الأنباء المحلية، من اجتماعية وزراعية وسفر وإياب وزواج . وذات يوم أرسل المقيم في عنيزة رسالة إلى أخيه يذكر فيها استعداد الناس وحفر الخنادق حول المدينة لمنع" الدبا" ( وهو صغار الجراد قبل طيرانه ) من الوصول إلى المزارع . وصغار الجراد يُعرف بعاميّة ذلك الزمن باسم " الجند " .
عبارات خنادق وجند واستعداد واستنفار أثارت الرقيب العراقي حيث كانت البلاد تمر بظروف الحرب العالمية ، مما أوجب استدعاء صاحب الرسالة والاستفسار منه عن الجند والخنادق . واقتنعوا بأن كلمة " الجند " هي بلهجة أهل البلد تعني مرحلة من مراحل نمو الجراد بدليل الأهزوجة التى يُرددها الناس وهم يقرعون الدفوف : ياجند الله .. يرفعك الله .. عن خلق الله .
وأثناء عملي في لندن كنتُ أتلقى رسائل بريدية من أصحاب وأقارب . وذات يوم تلقيت رسالة من قريب كان يدرس في مصر. وفى ذلك الوقت كانت لندن مقرّا لمجموعات كثيرة لا تتفق مع النظام المصري . ويحرص الرقيب المصرى على فتح بعض الرسائل المرسلة من لندن . في أسفل الرسالة كتب قريبي ما يلي : " ترى اللي ينقلون الحكي باعطين خطك " . عساهم للصعقه اللي ما تخّلّي بهم رطب الحلق " على اعتبار أن الاستخبارات تطّلع أيضا على الرسائل الصادرة . وهذا تفسير " الشفرة " التي استقاها قريبي من قعر اللهجة السعودية المحلية ، والتي يصعب على غير السعودي فهم ما تعني .
اللي ينقلون الحكي = الرقيب أو المخابرات .
باعطين خطك = شاقين رسالتك .
الصعقِه = الصاعقة . رطب الحلق = فيه أثر حياة .
http://www.alriyadh.com/2009/10/15/article466444.html