لاشك أن كل ابن آدم ينام , وكل إنسان يؤوي إلى فراشه ليلاً , ولكن هل
تعرفون كيف
نومتي تلك الليلة ؟
ما أكثرها
وقد استلقيت على فراشي , وغرقت في نوم عميق جداً , فاستيقظت قبل الفجر
من عطش شديد
ألم بي ,فقمت لأشرب الماء فسمعت أنيناً يخرج من الأرض , تلفت حولي فذهب
الأنين
ثم ذهبت وشربت الماء ثم عدت إلى الفراش , وإذا بالأنين يعود مرة أخرى ,
وفي هذه
المرة كان الأنين قوياً وكأنه صوت بكاء , فتحسست الأرض بيدي , حتى
أمسكت سجادتي
فسكتت
قلت متعجباً: أأنت التي تأنين يا سجادتي ؟
قالت: نعم
قلت: ولماذا
قالت: لقد أيقظك عطشك , وشربت من الماء حتى ارتويت , وأنا بحاجة إلى
الماء ولا أجد
من يرويني الماء
قلت: وهل تريدين أن أحضر لك كأساً من الماء ؟
قالت: لا ليس هذا هو الماء الذي يرويني , إنما يرويني دموع العابدين
التائبين
قلت: ومن أين لي أن آتي لك بهذا النوع من الماء ؟
قالت: وهذا هو سبب بكائي فقم يا عبدالله وصل لله ركعتين في ظلمة الليل
; حتى تنير
لك ظلمة القبر والجزاء من جنس العمل , ولم يبق من الوقت إلا القليل
وبعدها يؤذن
المؤذن لصلاة الفجر
قلت: دعيني وشأني يا سجادتي
قالت: يا عبدالله قم لصلاة الفجر , فإنها حياة للقلب وللروح , وقد حان
موعد الأذان
ليردد: ( الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم ) وأنت تستجيب
لنداء الدنيا
كل يوم في الليل والنهار. ولا تستجيب لنداء العزيز القهار ؟
قلت متضايقاً: دعيني أنام يا سجادتي .. فأنت تشاهدينني كل يوم , لا
أعود إلى
المنزل إلا وأنا منهك متعب .. ثم أخذ اللحاف ووضعه على صدره فشعر
بالدفء واستسلم لسلطان
النوم
قالت السجادة: يا عبدالله. وهل تعطي للدنيا أكثر مما تعطيه لدينك ؟
قلت بلهجة تهكمية: أسكتي يا سجادتي. أرجوك لا تتكلمي.. فإنني متعب
ومرهق. أريد أن
أنام
فسكتت السجادة برهة متأثرة بما قال عبدالله وقالت بصوت حزين: آه لرجال
الفجر !! آه
لرجال الفجر
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع
الشمس
وقبل غروبها ـ يعني الفجر والعصر ـ . وقال عليه الصلاة والسلام: من صلى
البردين
دخل الجنة . وقال: بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام
يوم
القيامة . وقال أيضاً: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء
ولو يعلمون ما
فيهما لأتوهما ولو حبوا
فانتبه عبدالله من غفلته وقال: فعلاً إن صلاة الفجر مهمة السجادة: قم يا عبدالله قم
قال: غداً أبدا إن شاء الله .. ولكن اتركيني اليوم لأنام فإنني مرهق
السجادة: وهي متحسرة من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع
الأحوال
ثم قالت: ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله , وستذكر كلامي ونصحي …
ثم تركته
السجادة , ونام عبدالله , ولكن ! كانت أطول نومة ينامها في حياته فقد
مات تلك
الساعة. فأنشدت السجادة حين علمت بوفاته قائلة
يـا من يـــعد غـداً لتـوبـتـــه *** أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في عيشه على أمـــل *** ومنيته الإنسـان بالـرصد
أيـــــــام عـمـرك كلـهـا عـدد *** ولعل يومك آخر العدد
المستشار