بولعراس: مشروع البريد السعودي يشكل نقلة نوعية في صناعة القطاع
ممثل اتحاد البريد العالمي: السعوديون سيجنون حصاد الإصلاح البريدي خلال 3 سنوات
محمد الحميدي صحيفه الشرق الاوسط
عدّ خبير اتحاد البريد العالمي، نجيب بو لعراس، المسؤول المكلف بالدول العربية، أن ما يحدث في البريد السعودي نقلة حضارية، في تحويل المؤسسة البريدية السعودية من حالة الركود إلى مرحلة وصفها بـ«الإصلاحية» لمواكبة التقدم الكبير في مجال الاتصال البريدي، مشيرا إلى أن المشاريع الاستراتيجية والإصلاحات الهيكلية في مؤسسة البريد السعودي تتفق والتوجهات الدولية للبريد العالمي، وتتماشى مع انتقال السعودية للعمل الإلكتروني والتقني في معظم قطاعاتها وتؤهل البلاد في مجال الخدمة بانضمامها لمنظمة التجارة العالمية.
وكشف بولعراس في حوار معه في الرياض أن أسعار خدمات وصناديق البريد السعودي الأرخص بين الدول رغم قوة الاقتصاد السعودي، حيث أن أقل تكلفة لصندوق البريد هي 36 دولار سنويا، مؤكدا أن المواطنين في السعودية مقبلون على خدمات بريدية عالية الجودة تماثل المعاملات البريدية العالمية. ووصف بولعراس مشروع البريد السعودي «واصل» بأنه الأكبر من نوعه في اقتصادات البريد، ويمثل ثورة في صناعة البريد العالمي، سيما اعتماده على تقنيات بريدية متقدمة، تطبق للمرة الأولى، كالصناديق البريدية الرقمية الإلكترونية، وطبيعة التقنيات المستخدمة في معالجة وإرسال واستقبال الرسائل.
ولفت الخبير الدولي إلى أن المشاريع التطويرية في البريد السعودي باتت تجذب اهتمام اتحاد البريد العالمي، خاصة مشروع «واصل» الهادف إلى إيصال الرسائل البريدية إلى المنازل السكنية، والمباني التجارية، من خلال توزيع 5 ملايين صندوق بريد منزلي في مدن السعودية، مؤكدا أن هذا المشروع هو الأول من نوعه، مفيدا بأن السعودية ستكون إحدى الدول العالمية الرائدة في مجال البريد حالما ينتهي مشروع «واصل»، مضيفا أن السعودية يمكن لها مستقبلا أن تقوم بعمليات دعم وتصدير فني لتجربة هذا المشروع الضخم.
> أبديت في حديثنا الجانبي قبيل بدء الحوار، إعجابا منقطع النظير عند اطلاعك لمشروع البريد السعودي، فلعلك تعطينا تقييما موضوعيا؟
ـ بكل صدق، فوجئت بمستوى عال على صعيد الإمكانيات المتوفرة وقبلها الفكر الذي يقود القطاع، ونشاط العاملين فيه، وسط ما اطلعت عليه في معظم الدول العربية التي تفتقد الحد الأدنى من الإمكانيات، فما شاهدته وشدني هو الرؤية الحديثة للبريد السعودي، وتوفر البنية التحتية المتطورة والتجهيزات والآليات التي توحي لك فعليا بمستقبل بريدي متحضر وراق للخدمات البريدية. في السعودية وجدت دخول التكنولوجيا والتقنية بقوة متوائمة مع قدرات بشرية سعودية نشطة وفاعلة، يقوده مهندس المشروع الدكتور محمد بنتن، الذي لمست لديه طموحا ورؤية مستقبلية ثاقبة، ويملك جرأة ما يكفي لمواجهة التحديات والنتائج المقبلة، سيما في مثل هذه المشاريع الضخمة. كما أنني من خلال جولتي في البريد السعودي وجدت استراتيجية واضحة المعالم والتوجهات.
> ولكن سبق هذه التصور، مرحلة أعلن فيها عن هيكلة القطاع ككل؟
ـ (مقاطعا).. نعم سبقتني في قول هذا، مرحلة الإصلاح البريدي التي كانت في حقيقتها ضمن الخطة الاستراتيجية، فلا تزال السعودية تعيش حاليا مرحلة الإصلاح والتطوير والذي ينسجم مع الاستراتيجية العامة للبلاد، وهي بالمناسبة وبحكم خبرتي في اتحاد البريد هي بالضبط موائمة ومواكبة للاستراتيجية العالمية البريدية التي تم إقرارها في العاصمة الرومانية بوخارست حيث تم الاجتماع الأخير للاتحاد، والتي كان أبرز أهدافها إصلاح البريد وإعادة هيكلته مع مرونة التصرف والإدارة للوصول إلى رقي الخدمات في مستوى يرضي العميل، وتشمل هذه الهيكلة، وكما رأيتها في السعودية، إعادة تنظيم أطراف السوق وهو المشرّع كالوزارة أو المؤسسة الحكومية، وجهاز التنظيم وهو المراقب والمنظم والمرخص، ثم المشغل وهو المرحلة المقبلة التي ستخوضها السعودية، ولا أنسى هناك أن أقول إن لكل بلد توجهه في البريد ويمكنه المواءمة بحسب ظروفه، ففي السعودية أشاهد الاعتماد على القطاع الخاص أو الشركات التي ستقوم بأدوار مختلفة ولكنه في النهاية متكاملة.
> يبدو أنك تكشف هنا عن معلومة جديدة حيال مشروع السعودية فما هو تصورك العام وتقييمك لهذا المشروع؟
ـ ما لاحظته أن البعض في السعودية، يعتقد أن مشروع «واصل» بسيط، وهو في حقيقة الأمر عكس ذلك، وأنا أتحدث من موقع مسؤولية كبيرة وخبرة طويلة في هذا القطاع. مشروع «واصل» يمثل أكبر ثورة في مجال البريد عالميا لا سيما أنه يعتمد على التقنية الإلكترونية وبشكل قوي جدا، حيث سيتم الاعتماد على الخرائط الإلكترونية في كل نواحي السعودية، بمعنى أنه سيكون هناك صندوق بريد يغطي كل فرد أو منزل على حدة، له معلومات موثقة ومسجلة إلكترونيا، وهو ما يعني أنه ستكون هناك قاعدة عناوين ضخمة جدا من البيانات في خدمة البريد ويمكن تتبع كل معلومة على حدة، يمكن أن تستفيد منها قطاعات مختلفة كالداخلية، المصارف، الصحة وغيرها وسيسهل الوصول للعناوين. وهذه التقنية العالية إبداع في حد ذاتها وضمن المشاريع القليلة المماثلة لها عالميا، تقنية القارئ السريع أو المساح المتضمنة جميع تفاصيل البيانات بما فيها المعلومات عن السيارة الموصلة للرسالة، وأنظمة قراءة الفرز إلكترونيا.
> هل تقصد أن تقول إنك لم تسجل أي ملاحظات على المشروع؟
ـ لا يخلو أي عمل من نواقص، ولكن لم أسجل أية نواقص أو مثالب جوهرية على المشروع، ولا أخفيك أنني قدمت بعض الملاحظات في بعض النقاط، التي يمكن إصلاحها بسهولة جدا، وهو ملاحظات فنية يسيرة وليست هيكلية أو جوهرية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن أشير إليه لأنها ببساطة تكميلية، ولكن المهم أن يتم وضع جدول زمني تفصيلي للمشروع ويتم السعي لإنجازه بكل دقة، لضمان سير المشروع. وعموما فزيارتي للسعودية تأتي للوقوف على مدى التطور الذي حصل في السعودية لهذا القطاع، ومن ثم القيام بدراسة تحليلية على مختلف البلدان لتكون على إدراك بالتطورات الجديدة، وسأقوم بعمل هذه الدراسة وأبعها للوزير.
> وهذه النقطة التي كنت أعتزم طرح سؤال حولها، ما هو أكبر التحديات التي تواجه مشروع البريد السعودي الطامح؟
ـ نعم، أكبر تحد سيواجهه السعوديون في قطاع البريد هو إكمال الإصلاح البريدية ونوعية الآلية التي سيتم بها معالجة الأوضاع، إذ أن المواصلة في الإصلاح وإعادة الهيكلة والترتيب في حد ذاتها تحتاج إلى أنها تشكل معوق كبير في المنطقة إجمالا، ولعل من بين التحديات وهي مبنية بشكل أساسي التخطيط السليم لما بعد الإصلاح والهيكلة، والولوج إلى تحقيق التوازن المالي جنبا إلى جنب مع البحث عن التطوير برؤية اقتصادية وربحية. فالبريد لم يصبح فقط مجرد رسوم على طابع أو ختم، بل هناك قطاع اقتصادي قوي وضخم جدا لم يحسن الاستفادة منه مستقبلا، لا سيما لدى السعودية وفق المعطيات الفنية والتقنية التي يحظى بها القطاع. لا بد من وجود رؤية استثمارية راقية ومتطورة تضمن تحقيق الربحية وتقديم الخدمة البريدية النموذجية لتصبح قطاعا حيويا ونافعا في البلاد.
> وباطلاعك على مشروع البريد في السعودية، كم تعطيه من الوقت ليصبح مشروعا استثماريا ناضجا؟
ـ المشروع البريدي في السعودية ضخم وقوي جدا ويحظى بدعم مباشر من الحكومة. وباعتبار ما رأيته من حجم صرف مالي وبشري كبير، أعتقد أن السعودية ستجني حصاد عملها المكثف في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وسيعرف السعوديون والمشتركون نقلة نوعية هامة تجذب أنظار المنطقة إليها. وأنا أقصد ما أقول هنا، فملامح نجاح المشروع بأن يسير في الطريق الصحيح بدءا من فكرة قاعدة البيانات الضخمة، واعتماد التقنية والوسائل الإلكترونية، وقبلها مرحلة الهيكلة والإصلاح، ونحن بانتظار مرحلة الوصول والنضوج ومن ثم العمل البريدي المهني المحترف، وعلى هذا فأنا على قناعة بأن مستخدمي البريد في السعودية على موعد من الشراء الإلكتروني للطوابع، والتسوق بحجم أكثر اتساعا، واستخدام الدفع عبر البطاقات، وشراء المنتجات عبر الإنترنت، والاستفادة من خدمات العولمة الجديدة.
> وباعتبار أنك المستشار الإقليمي المكلف ملف الدول العربية في الاتحاد العالمي للبريد ولك مشاركاتك الكثيفة في ما يخص الوضع البريدي في العالم العربي، ما هي رؤيتك العامة لوضع البريد في العالم العربي؟
ـ يسرني أن أستفيد من هذه المقابلة في هذه الصحيفة لكشف بعض الأمور للقارئ، بأن البريد العربي لا يخلو من ديناميكية بدأت تنشط، ولكن تختلف باختلاف الإمكانيات، وإنما المبدأ التصحيحي موجود. والموضوع يحتاج إلى توصيف، فبعض الدول العربية تعوزها الإمكانيات المالية بشكل كبيرة، وهم يقاتلون من أجل ضبط أوضاهم، رغم امتلاكهم لعاملي الخبرة والإمكانيات البشرية. وهناك فئة من الدول العربية تعاني من أوضاع ذات خصوصية بحتة، كما أن هناك بعض المشاكل الداخلية أو الحروب أو الأزمات السياسية، إلا أننا نرصد في الاتحاد تطورا جيدة ولو كان بطيئا في قطاع البريد، ولنا اعتباراتنا في ذلك حيث أن البيئة صعبة والكثافة السكانية مرتفعة وهناك نقص في البنى التحتية. وعموما من يقدرون قطاع البريد من وزارات، مؤسسات، أو هيئات، بحسب مقابلاتي المختلفة معهم، أجدهم كفاءات جيدة وتملك رؤى ورغبة في التغيير وإعادة الهيكلة، وهي كما قلت حجر الزاوية في تاريخ البريد عالميا خلال هذه المرحلة من الزمن.
> هذا عند الحديث عن الدول العربية ذات الإمكانيات المحدودة، ولكن ما هو رأيك في ما يخص دول نفطية وذات قدرات مالية كما هو الحال لدول الخليج العربي؟
ـ بالطبع تظل لكل بلد ظروفه، وهناك دائما ما أصف به حالة البريد في الدول الخليجية بأنه البريد الذي يركز نفسه على استخدام التكنولوجيا مستفيدا من إمكانياته المادية، ولعل الانتعاش الاقتصادي الذي تمر به المنطقة له دور كبير في حركة التطور الجديدة وهو ما يعجل منافسة بعض الأنشطة للبريد، كما هو الحال مع البنوك التي بدأت تتزايد بشكل كثيف، والبريد بدوره يمكن الاستفادة منه في عمليات التحويلات المالية، وهذا يعني أن فرصة اقتطاع البريد لجزء من سوق التحويلات المالية قائمة وبقوة إذا ما تخيلنا تركيزا لتطوير هذه الخدمة بريديا. وعند الحديث عن السعودية على وجه التحديد، فهي تمثل ثاني دولة في العالم من حيث التحويلات المالية للخارج بمعدل 150 مليار دولار تقريبا سنويا، وهي المبالغ الضخمة التي تمر عبر البنوك والمؤسسات المالية في الوقت الذي يمكن فيه استغلال ذلك عبر تقديم هذه الخدمة عبر البريد احيث أثبتت التجربة العالمية أن هناك سوق بريد للتحويلات المالية.
> عوداً الى آخر كلماتك في إجابتك الأولى (التحويلات المالية)، كأنك تلمح إلى أن هناك جوانب لا بد للبريد السعودي من أن يستفيد منها، أو أن هناك مشروعات يمكن تنفيذها قريبا؟
ـ بكل تأكيد الأنشطة والخدمات التي يمكن أن يتم طرحها كفيلة بخلق استثمار قوي جدا في البريد، فجذب جزء من شريحة الأعداد الهائلة من العمالة في السعودية وضمها في خدمات تقدم حوالات مختلفة ستعطي قوة مضاعفة لإيرادات البريد. وهنا لا بد أن أكشف بأن هناك رأيا لتطوير فكرة التحويلات المالية، فهناك لجنة عربية للبريد التي وافقت أخيرا عبر وزراء الاتصالات العرب إحداث شبكة عربية إلكترونية للتحويلات المالية تقوم على فكرة اعتبار الدول العربية مشتركة وتقوم بالتحويلات المالية، فمثلا يتم الاستفادة من ملايين العرب من غير الخليجيين في منطقة الخليج العربي، أو الاستفادة من حوالات العرب من الدول العربية في أوروبا، لا سيما أن التكلفة ستكون منخفضة ومتاحة، وستكون بأنظمة تقنية ذات أمان عالي.
> وهل تم العمل على هذا المشروع العربي المشترك؟
ـ هناك موافقة مبدئية بل ان البريد السعودي مقتنع تماما بالفكرة، بل إنه سيوجد صيغة شراكة بينه وبين مؤسسة مالية محلية، ويبدأون في تشغيل هذه الشبكة، وهذا المشروع قائم في طور الإنجاز حيث أعلنت مجموعة من الدول العربية وهي تحديدا المغرب، الجزائر، تونس، الإمارات، وجيبوتي، استعداداتها وتأهلها للعمل بهذا المشروع.
> عند ذكرنا لاتحاد البريد العالمي، لا نشعر بتفاعل داخلي تجاه هذه المؤسسة العالمية، ويمكن أن هذا الشعور جاء لإدراك أن البريد لا يمكن أن يقدم سوى التوصيات والنصائح فقط، في زمن يمثل فيه الفعل والأداء والحركة المعيار في الحكم على فاعلية المنظمات والمؤسسات، فهل تقومون بأي تحركات فعلية في السعودية لتطوير قطاع البريد؟
ـ (يضحك)، نحن نملك أقوى شبكة اتصال في العالم، ولدينا 666 ألف مكتب بريد منتشر في أصقاع الأرض، يعمل فيها 5 ملايين موظف، وتقوم بضخ 4.5 مليار رسالة كل سنة، وملايين الطرود والرسائل الممتازة. وعموما، نعم بكل تأكيد لدينا مشروعات، بل دعني أفصح بأننا نقوم بالدعم أحيانا. هناك مشروعات تعاون بين الاتحاد العالمي والبريد السعودي، حيث أننا نقوم مع مؤسسة البريد السعودي على مشروع لتحسين النوعية. والفكرة تقوم على تحسين النوعية للتنظيم الإلكتروني لمراقبة التوزيع، وتقصي أثر الرسائل، وإدخال محاسبة التكاليف التحليلية.
> بالمناسبة، هل ترى أن السوق السعودية تحتاج لمكاتب دراسات وأبحاث متخصصة؟
ـ لا نحتاج إلى مكاتب دراسات متخصصة في قطاع البريد، بل هناك حاجة لمكاتب دراسات مساندة لخدمات البريد، كتدريس المحاسبة التجارية، والتسويق المحترف، والمجالات الإعلامية، والخدمات التقنية، وأنا من المؤمنين بأن مكاتب الأبحاث والدراسة الأجنبية مناسبة ولديها رؤى وأفكار جديدة للسوق، مما يزيد من فرصة تقديم مقترحات وتوصيات جديدة للسوق.
ولكم احترامي،،،
رحــــال...