عبر«البريد» ولكن هذه المرة الإلكتروني، كشف الدكتور محمد صالح بنتن رئيس مؤسسة البريد السعودي لـ«الشرق الأوسط» عن عزم المؤسسة إنشاء شركة قابضة تقع تحت ملكية «البريد السعودي»، سيشارك القطاع الخاص في وحداتها الرئيسية التي ستتحول إلى وحدات تجارية، متوقعا أن يتم إنشاء الشركة القابضة نهاية العام الحالي.
واعتبر الدكتور بنتن، الذي تجاوزت فترة رئاسته للمؤسسة خمس سنوات، أن مشكلات الترقيات داخل المؤسسة، تعد نتاج تراكمات سنوات طويلة من التجميد الوظيفي، ويقول: سعينا في السنوات الأخيرة إلى تذويبه، وشكلنا لجنة مكلفة تتولى دراسة محاضر الترقية لجميع المراتب وفق الأسس والمعايير المحددة.
كل ما سبق وتفاصيل أوسع عن البريد السعودي وقضاياه والتوقعات المستقبلية له والمشكلات التي تعترض طريقه في الحوار التالي:
* متى ستتحول مؤسسة البريد السعودي إلى شركة، وهل سيتم خصخصتها؟ وكيف؟
- نتوقع أن يتم إنشاء شركة قابضة تملكها مؤسسة البريد مع نهاية العام الحالي 2010، حيث ستتحول القطاعات الرئيسة في مؤسسة البريد السعودي إلى وحدات تجارية بالمشاركة مع القطاع الخاص، على غرار تجربة إنشاء شركة «ناقل»، المتخصصة في النقل اللوجستي، والتي تملك المؤسسة 51 في المائة منها، فيما يملك شريك من القطاع الخاص نسبة الـ49 في المائة المتبقية.
* هل هناك نية لفتح الشركة بعد خصصتها وطرح نسبة من أسهمها كشركة مساهمة مفتوحة على غرار «شركة الاتصالات السعودية»؟
- بالتأكيد، فإن الهدف الاستراتيجي خصخصة قطاع البريد، بحيث يكون قطاعا فعالا يقدم خدمات راقية ومربحة لجميع الأطراف.
* ما حجم إيرادات «البريد السعودي» ومصروفاته؟ وهل تحقق المؤسسة ربحا أم لا حاليا؟
- إيرادات البريد السعودي في زيادة مطردة، نتيجة لبدء البريد في تقديم خدمات موثوقة أدت إلى الإقبال على خدمات البريد السعودي، ودخول المؤسسة كمنافس قوي في مجال البريد السريع وأنشطة الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية. ومن المتوقع تحقيق زيادة في الدخل نتيجة لتنامي هذه الأنشطة. أما بالنسبة لمصروفاتنا فمعظمها مصروفات استثمارية، فبالطبع نحن في طور بناء البنية التحتية اللوجستية والإلكترونية وهي استثمارات عالية سيكون مردودها عاليا مستقبلا. أما تشغيليا فإن البريد بالتأكيد رابح.
* نفذت المؤسسة مشروع «واصل»، ويواجه المشروع انتقادات كثيرة، من بينها عدم وصول فكرته إلى الناس، وعدم نجاح فكرة الصناديق البريدية المركبة في المنازل، وتكبيد خزانة الدولة مبالغ باهظة، فكيف ستخرجون المشروع من مأزقه؟
- مشروع «واصل» هو مشروع وطني، يعطي كل مواطن وموقع سكني وتجاري عنوانا يمكّن الجميع من الوصول إليهم، ويمكّن الدولة والقطاع الخاص من تقديم خدمات الأمن والطوارئ وغيرها.
وللعلم، فهذه ليست هي المرة الأولى التي يطرح علي وعلى زملائي العاملين في المؤسسة هذا السؤال، ومرة أخرى نؤكد للجميع أن تركيب الصناديق لم يكن سوى خطوة ترويجية للعنوان البريدي «واصل»، فقد ارتأت إدارة المؤسسة أن تركيب لوحات الترقيم الخاصة بالعناوين البريدية على المباني السكنية والمنشآت التجارية ليس كافيا لشرح فكرة هذا العنوان وعلاقته بالخدمة البريدية.
* سمعنا عن توجه لدى المؤسسة لتفعيل خدمات الحكومة الإلكترونية، ما الخطوات التي تحققت في هذا الشأن؟
- بالفعل، بدأ البريد السعودي العمل على تفعيل خدمات الحكومة الإلكترونية كتوجه استراتيجي، بالتعاون مع عدد من الأجهزة الحكومية الخدمية، وفي مقدمتها القطاعات التابعة لوزارة الداخلية، حيث بدأت المؤسسة في تقديم خدمة تجديد رخص القيادة، وتتجه إلى تقديم خدمات أخرى، كتجديد بطاقات الهوية الوطنية وبطاقات العائلة عبر مكاتب البريد.
وحاليا، يمكن لأي مواطن أو مقيم في المدن التي بدأت المؤسسة تقديم خدمات تجديد رخص القيادة فيها أن يتقدم بطلبه مستوفيا الطلبات النظامية إلى مكتب البريد صباحا، ليتسلم الرخصة بعد تجديدها في اليوم نفسه، وذلك إما عبر مراجعته المكتب ذاته، أو بإيداعها في صندوق «واصل» الخاص به.
كما قدمت المؤسسة خلال العامين الماضيين خدمة استلام وثائق الطلاب المقبولين في الجامعات، بدلا من تكبيدهم عناء السفر إليها، وحققت في ذلك نجاحا كبيرا، بشهادة الجامعات المشاركة في هذه الخدمة.
ونأمل أن يتمكن البريد السعودي من التوسع في تقديم هذه الخدمات بمشاركة جهات حكومية عدة. وهو ما سيسهم في تخفيف ضغط المراجعين الكثيف على تلك الجهات، كما سيقلص حاجة الموظفين إلى الخروج من جهات عملهم في لإنجاز معاملاتهم، إذ بإمكانهم إما إرسال طلباتهم إلكترونيا، أو تسليمها يدويا إلى موظف البريد في الفترة المسائية، وفق الإجراءات التي ستتبعها كل جهة حكومية على حدة.
* ما التحديات التي تعوق تقديم البريد لخدمات الحكومة الإلكترونية في الوقت الراهن؟ وهل استوعبت الجهات الحكومية أهمية تقديم تلك الخدمات ودور البريد في تقديمها؟
- أستطيع الجزم أن التوجه نحو تطبيق الحكومة الإلكترونية في السعودية بات خيارا استراتيجيا لا رجعة عنه، وسيكون البريد السعودي قلب هذا المشروع، بلعبه دور الوسيط بين طالب الخدمة وبين الجهة الحكومية المزودة لها.
لكن تطبيق هذه الخدمات يواجه تحدي إيجاد الآليات المناسبة لتقديمها، حيث إن بعض الجهات الحكومية المعنية ما زالت في طور الاستعداد لخوض هذه التجربة. وكما تعلمون فإن التحول من التعاملات الورقية إلى الإلكترونية يتطلب إجراءات دقيقة لضمان تأهيل العاملين في تلك الجهات لتقديم تلك الخدمات من جهة، وتهيئة المواطنين لتقبلها والتفاعل معها والاستفادة منها إلى الحد الأقصى.
وأود أن أشير هنا إلى أن مؤسسة البريد السعودي تعتزم تحويل مكاتب البريد إلى مراكز لتقديم الخدمات الحكومية والتجارية (Service Hubs)، مما يمكن المواطنين والمقيمين من إنجاز أكثر من خدمة في وقت واحد من خلال تلك المكاتب.
* تردد أن «البريد السعودي» عازمة على تقديم حزمة من خدمات التجارة الإلكترونية. كيف ستقدمون تلك الخدمات؟ وما الفئات المستفيدة من تلك الخدمات؟
- هذا صحيح، وقد قطعت المؤسسة شوطا طويلا في تقديم تلك الخدمات على مسارين متوازيين، أولهما عبر إطلاق خدمة «عنواني في أميركا» التي تحول مسماها إلى «واصل العالمي» بعد ضم أسواق جديدة في أوروبا والصين إلى جانب السوق الأميركية.
وتتلخص هذه الخدمة في منح مشتركي خدمة واصل عنوانا بريديا في جميع تلك الدول. وبمجرد حصول العميل على هذه العناوين البريدية العالمية يتمكن من الشراء إلكترونيا من جميع المتاجر التي تسوق سلعها إلكترونيا في هذه الدول، وعند وصول مشترياته لهذه العناوين يتم إشعاره بقيمة الشحن عبر رسالة (sms) أو بريد إلكتروني، وإصدار فاتورة بها، ليبادر إلى سدادها عبر طرق السداد المتاحة، وخصوصا عبر نظام «سداد» المصرفي، ليتم شحن المشتريات وتوصيلها إلى منزل العميل، بأسعار شحن مغرية جدا.
أما المسار الثاني فهو إطلاق خدمة السوق الإلكترونية (e - mall) على العنوان الإلكتروني (e - mall.com.sa)، وهي أحد المشاريع الاستراتيجية للمؤسسة الهادفة إلى دعم مشاريع التجارة الإلكترونية في السعودية، لما تتمتع به مؤسسة البريد السعودي من مقومات تساعد على إنجاح مثل هذه المشاريع الكبرى.
ولحد الآن، فقد أبدى تجار محليون ودوليون رغبتهم للمؤسسة في الانضمام إلى السوق الإلكترونية، وستتم إضافة المتاجر تباعا، حسب حاجة السوق، وتحقيق لرغبات المتسوقين.
وتعتبر هذه السوق أول سوق إلكترونية سعودية تقدم خدماتها بشكل مختلف ومميز، ففضلا عن أهدافها التجارية، تلعب دورا مهما في التنمية الاجتماعية بالمملكة، عبر تسويقها لأعمال الأسر المنتجة، بالتعاون مع الجمعيات الخيرية في مختلف مناطق المملكة، وبالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار.
وتتميز هذه السوق بأنها تمنح المتاجر والجمعيات الخيرية إمكانية إدارة كتالوجاتها ومبيعاتها الإلكترونية بنفسها، بينما تتولى مؤسسة البريد السعودي عملية الالتقاط والتحصيل والتسليم بأجور شحن مخفضة حددت بـ20 ريالا فقط لأي موقع بالمملكة، بغض النظر عن الوزن لعربة التسوق والمشتريات.
* ما دوافعكم لإطلاق مشروع السوق الإلكترونية في السعودية، وما الذي يجعلكم تعتقدون بنجاح هذا المشروع؟
- تدركون ولا شك أن المؤسسة تعمل منذ سنوات وفق أسس تجارية تهدف إلى تحقيق الربحية، وبالتالي فإن مشروع السوق الإلكترونية هو أحد المشاريع الاستراتيجية للبريد السعودي الهادفة إلى زيادة إيراداته عن طريق زيادة تسليم الطرود، وإطلاق أنشطة تجارية جديدة، من خلال مساعدة المتاجر في بيع منتجاتها وتسويقها إلكترونيا، وتوفير خدمات موثوق بها للعملاء من المواطنين والمقيمين.
أما ما يجعلنا مطمئنين كثيرا إلى نجاح المشروع، فذلك يعود إلى الكثير من الأسباب، أبرزها ما تحقق حتى الآن من إقبال متزايد من الشركات والمؤسسات والمتاجر الكبرى على المشاركة في تسويق منتجاتها عبر هذه السوق، ومن العملاء أيضا للشراء إلكترونيا عبر السوق الإلكتروني.
ولا أبالغ حين أقول إن السوق الإلكترونية تتمتع بالعديد من نقاط القوة التي ستدعم نجاحها المأمول، أهمها: القدرة على تسليم المشتريات من دون الاتصال بالعميل لمعرفة مكان سكنه، بفضل نظام العنونة البريدية الجديد الذي يعد بمثابة البنية التحتية القوية لتطبيقات التجارة الإلكترونية، إلى جانب التخفيف من المخاطر والصعوبات المعرضة لها الشركات الصغيرة والمتوسطة نتيجة دفع قيمة المشتريات إلكترونيا.
كما أن السوق الإلكترونية توفر إمكانية الاستفادة من وجود فريق لتسليم المنتجات والسلع إلى زبائنها في أسرع وقت بعد شرائها، يتمثل هذا الفريق في موزعي البريد السعودي أنفسهم، إضافة إلى ضمانها موثوقية التسوق عبر الإنترنت، ويمتد هذا الضمان إلى ما بعد التسليم، كون الموزع هو موظف رسمي في المؤسسة.
* ما هي باعتقادكم الفوائد المرجوة للمجتمع وللتجار المشاركين في السوق الإلكترونية؟
- يأمل البريد السعودي في أن تسهم السوق الإلكترونية في تحقيق العديد من المنافع والمزايا للتجار المشاركين فيها وللعملاء وللمجتمع على حد سواء، إذ تدعم هذه السوق البرامج الحكومية للتجارة والحكومة الإلكترونية، وتخدم التنمية الاقتصادية في المملكة، وتزيد الاتصال داخل المجتمع وتجعله أكثر سهولة، إلى جانب دعم رفاهية الحياة وتحسين التضامن الاجتماعي.
وبالنسبة للتجار، فإن هذه السوق تيسر لهم زيادة المبيعات، وتسهم في خفض التكاليف، وزيادة معرفة العملاء للمنتجات، والوصول إلى أسواق جديدة، وتقديم أفضل خدمة للعملاء، تحسين الفعالية والكفاءة التشغيلية، ومراقبة أفضل للبيانات، وتيسير تجديد المخزون.
* لماذا تتعامل المؤسسة مع عدد من المشاريع الجديدة بسرية عالية؟
- وصف تعامل المؤسسة مع مشاريعها الجديدة بسرية عالية مبالغ فيه، والحقيقة أننا لم نعلن عن هذه الخدمات ولم نسوق لها في الفترة الماضية يعود إلى كونها ما تزال قيد التجربة والاختبار، ومتى ما أيقنا من قدرتنا على تقديمها لعملائنا على الوجه الأكمل فسنبادر إلى الإعلان عنها عبر جميع وسائل الإعلام والنشر المتاحة للوصول إلى الرأي العام وتمكينه من الاستفادة منها.
وقد يكون من المناسب التنويه بأن المؤسسة بصدد اعتماد منهجية جديدة في التسويق لخدماتها كافة، بالاعتماد على ما ستسفر عنه الدراسات الجارية حاليا، وما ينتج عنها من خطط تسويقية نأمل لها النجاح.
* نشرت الصحف أخيرا أخبارا عدة عن توقيع البريد السعودي اتفاقيات مع عدد من الشركات للاستفادة من خدمة «خالص الأجرة»، ما هي هذه الخدمة؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
- خدمة «خالص الأجرة» هي خدمة تقدمها المؤسسة لكبار عملائها من الشركات والمؤسسات الكبرى، كالمصارف وشركات الاتصالات والمؤسسات الحكومية المرتبطة بمراسلات كثيفة مع عملائها، وهي تتيح لهؤلاء العملاء الاستفادة من توجيه إرسالياتها إلى جميع عملائها وفق اتفاقية تبرم بين الطرفين، تشمل سداد المستحقات في المواعيد المتفق عليها بينهما، وتعطي نسبة تخفيض لكبار العملاء وفق شرائح تربط بين نسبة التخفيض وحجم المراسلات.
وانضمت «شركة الاتصالات السعودية» أخيرا إلى قائمة الجهات المستفيدة من خدمة «خالص الأجرة» اعتبارا من مطلع 2010، لتنضم بذلك إلى كلا من مجموعة سامبا المالية، و«شركة موبايلي للاتصالات»، ومصرف الإنماء، والمستشفى التخصصي، و«شركة فالكوم للخدمات المالية»، و«شركة البندر للتجارة» (سنتربوينت)، ومصلحة الزكاة والدخل والدخل، وشركة «اكسيوم»، فيما نأمل التوقيع مع جهات أخرى قريبا، بعد استكمال الاتفاقيات المنظمة للخدمة معهم.
ولتسمح لي أن أشير إلى أن مؤسسة البريد السعودي ستبدأ قريبا في تقديم خدمة جديدة للجهات المستفيدة من خدمة «خالص الأجرة»، تتيح لهم الاستفادة أيضا خدمات الطباعة والتغليف، لتتولى المؤسسة بذلك جميع الأعمال من طباعة وتغليف ومعالجة وتوزيع، وتحمل عن هذه الشركات أعباء أداء هذه الأعمال، كما نعمل حاليا على عرض هذه الخدمة على جهات عدة للاستفادة منها.
* كيف تلمسون رضا عملائكم تجاه جودة خدمات المؤسسة؟ وكيف تقيسون هذا الرضا؟
- رضا الجميع غاية لا تدرك، ومع ذلك نشعر أن مستوى رضا عملائنا تجاه خدماتنا المقدمة لهم مرتفع إلى حد كبير، ونسعى إلى كسب المزيد من رضا العملاء وقبولهم، عبر تطوير خدماتنا الحالية، أو تقديم أخرى جديدة تلبي احتياجاتهم وتواكب تطلعاتهم، بل ونأمل في مصالحة كل عميل اتخذ موقفا منا بسبب خطأ إجرائي تعرض له أثناء تلقيه الخدمة.
أما بالنسبة لسؤالك عن آلية قياس هذا الرضا، فالمؤسسة تستطلع بين الحين والآخر آراء عينات عشوائية من عملائها للوقوف على آرائهم تجاه الخدمات المقدمة لهم، كما تقيسه من خلال حصر شكاوى العملاء، ونسبتها محدودة جدا قياسا بحجم العمل المنجز في جميع المناطق البريدية، بمختلف أرجاء المملكة.
* كيف تفسرون التباين الواقع بين حصول المؤسسة على شهادات اعتماد جودة عالمية على الخدمات، وفي المقابل تلقي الخدمات انتقادات مستمرة؟
- أوافقك على وجود هذا التباين، وسأحاول شرحه وتفسيره لك قدر الإمكان.
على صعيد الداخل، طورت «البريد السعودي» إجراءاتها الإدارية والمالية والفنية وعملياتها البريدية كافة، وحصلت نتيجة ذلك أخيرا على الشهادة الدولية للجودة المتكاملة للجودة المعيارية (ISO 9001:2008)، خلافا للعديد من الجوائز وشهادات التقدير الدولية.
وفي المقابل، لم يلمس الرأي العام حجم التغيير الحاصل في المؤسسة بسبب عدم تفاعله بشكل كاف مع خدماتها أو الاستفادة منها، إلى جانب الصورة الذهنية السلبية التي تكونت لدى كثيرين منهم جراء عقود طويلة من تخلف البريد السعودي عن ملاحقة التطورات الحاصلة في بلادنا وبث الثقافة البريدية وتعزيزها اجتماعيا، وعدم تلبيته لاحتياجات المواطنين والمقيمين، إلا في أضيق الحدود، وبوسائل وخدمات بدائية للغاية.
لذلك نعترف أننا نواجه تحديا كبيرا في تغيير الصورة الذهنية السائدة عن البريد السعودي وخدماته، ونعتقد أن ذلك سيتحقق عندما يدرك المواطن العادي إيجابيات استفادته من تطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية مستقبلا عبر البريد السعودي.
* ما مستوى رضاكم عما حققته المؤسسة حتى الآن بعد مرور خمسة أعوام على تسلمكم رئاستها؟ وهل حققتم ما رسمتموه من تطلعات، أم ما زال أمامكم الكثير لتحققوه؟
- منذ بدء العمل بتنظيم المؤسسة، تم إعداد خطة استراتيجية تقوم على تنفيذها مؤسسة البريد السعودي، وأعتقد أنه بمتابعة جدول تنفيذ الخطة فإن المؤسسة حققت الكثير من برامج الخطة، بل في بعض الأحيان تم تنفيذ مشاريع قبل الموعد المحدد لإطلاقها في الخطة.
وبالتأكيد توجد بعض البرامج التي لم تتمكن المؤسسة من تنفيذها خلال الجدول الزمني، وجار العمل على التأكد من تنفيذها من خلال مجلس الجودة في المؤسسة والقطاعات المعنية بالمتابعة والمراجعة، ومجلس إدارة المؤسسة.
وتوجد مؤشرات ومعايير عالمية تقيس أداء أجهزة البريد في العالم وجميع مؤشراتها عن مؤسسة البريد السعودي ولله الحمد تجعلنا فخورين بما تم إنجازه. وكذلك الشهادات والإشادات العالمية التي حصلت المؤسسة عليها، كشهادة الايزو 2008 وشهادة الايزو 27000 هي مقاييس للأداء وليست انطباعات.
* يشكو عدد من العاملين في المؤسسة من خلل في معايير الترقية، كيف ستتعاملون مع هذه الشكاوى؟
- هذا الموضوع، هو أحد أبرز مشاغلنا في الفترة الحالية، وللتوضيح فمشكلة ترقيات الموظفين هي نتاج تراكمات سنوات طويلة من التجميد الوظيفي، الذي سعينا في السنوات الأخيرة إلى تذويبه، وصولا إلى ترقية أكبر قدر ممكن منهم.
ولهذا الغرض، شكلت المؤسسة لجنة مكلفة بهذا الأمر، تتولى دراسة محاضر الترقية لجميع المراتب، وفق الأسس والمعايير المحددة، وتتم المفاضلة بين جميع الموظفين شاغلي كل مرتبة على حده، ونأمل أن تسعفنا الظروف إلى إنهاء هذه المشكلة والقضاء عليها نهائيا، وتمكين كل موظف مستحق للترقية من نيلها في الوقت المناسب باعتبار ذلك حقا مشروعا لا ينازعه أحد عليه، لكن ذلك منوط بتوافر الإمكانات اللازمة.
* ما البرامج التدريبية التي تقدمها المؤسسة لموظفيها، وما حجم الاستفادة منها؟
- لعلكم تدركون أن المؤسسة شرعت خلال السنوات القليلة الماضية في تطبيق خطة استراتيجية لتطوير أعمالها، ولم يكن أمامنا من خيار لإنجاحها إلا بتأهيل الكادر البشري العامل في المؤسسة من الناحية التقنية، وهو ما نجحنا في تحقيقه، إذ سعت إلى إلحاق جميع الموظفين بدورات تدريبية لإكسابهم المهارات اللازمة للعمل وتطوير مهاراتهم لتمكينهم من مواكبة التحول نحو التعاملات الإلكترونية، خلافا لإلحاقهم بدورات تثقيفية في مجال خدمة العملاء، وتعريفهم بمشاريع المؤسسة الجديدة ليتفاعلوا معها بإيجابية.
* ما حقيقة تعاونكم مع «غوغل»؟
- الاتفاقية الموقعة بين البريد السعودي وشركة «غوغل» هي أحد المشاريع الهادفة إلى الاستفادة من العنوان البريدي في خدمة المجتمع، أفرادا ومؤسسات وقطاعات حكومية وأهلية، جميعها قادرة الآن من الاستفادة من خدمة البحث عن العناوين البريدية عن طريق خدمة البحث «غوغل».
وتتيح هذه الاتفاقية للجميع استخدام العنوان البريدي السعودي الرقمي المتميز بالدقة الشديدة (يغطي كل متر مربع من الأراضي السعودية) في تحديد المواقع السكنية والتجار على أنظمة «غوغل» الجغرافية.
كما تتيح هذه الاتفاقية تطبيق العنوان البريدي على كافة أجهزة الهاتف المتنقلة والمركبات المزودة بأنظمة ملاحة، إضافة إلى إتاحتها للمستفيدين منها عبر أجهزة الحاسب الآلي والمواقع الإلكترونية، مما يمكن المواطنين والمقيمين في المملكة، أو حتى لجميع الراغبين من جميع أنحاء العالم في الاستدلال على عناوين المنشآت السكنية والتجارية كافة في السعودية، فعلى سبيل المثال ستستفيد منها الأجهزة الأمنية والطوارئ، إلى جانب الاستفادة منها في خدمات إيصال الخدمات إلى المباني والمنشآت المختلفة، خلافا لخدمات التوصيل إلى المنازل.
* استخدام العناوين البريدية في خرائط الجوال يقضي على مشكلات عدة بالنسبة للعميل. لكن ألا يقضي ذلك على خصوصية بعض المواطنين الذين يرفضون توصل أو معرفة أحدهم بأماكن سكنهم؟
- لا نرى أي تدخل في خصوصيات المواطنين، نحن نتيح خدمة نشر العناوين البريدية على أنظمة الملاحة، ونسهل على المواطنين الوصول إلى مختلف المواقع التي يرغبون الوصول إليها بالاعتماد على هذه العناوين لا أكثر، فكيف نخترق الخصوصيات بنشر أرقام فقط، وبعض أسماء المرافق العامة، من دون نشر أسماء الأفراد.
أما بالنسبة للتنسيق مع جهات ذات علاقة بخصوص هذه الخدمة، فنحن على تواصل مع عدد كبير من المؤسسات الحكومية والأهلية للاستفادة من هذه الخدمة، وقد عممت إمارات المناطق مشكورة على الجهات الواقعة ضمن نطاق إشرافها معلومات متكاملة عن هذه الخدمة، آملين أن تتحقق الفائدة المرجوة منها للجميع.
* خلال موسم الحج، اطلعنا على برامج العناوين البريدية، ولكن هناك تفاوت في الخرائط الخاصة بالمدن حتى الرئيسية منها. ما هي الجهة التي التزمتم بخرائطها؟ ولماذا؟
- ليس هناك تفاوت في الخرائط، ولكن يوجد ما يسمى بخريطة الأساس التي يتم استخدامها من كل جهة. ولكن أؤكد لكم بأن أحد فوائد مشروع البريد السعودي هو لفت الانتباه إلى هذه النقطة، وبالتالي يجري العمل والتنسيق على توحيد خريطة أساس واحدة لكامل المملكة العربية السعودية، وبالتنسيق مع الهيئة العامة للمساحة (المساحة العسكرية سابقا).
* هل يوجد تنسيق بينكم وبين الجهات الخاصة التي تعمل على التواصل مع العملاء عبر عناوينهم في استخدام «واصل» كدليل عملاء؟
- سبق أن وقعت مؤسسة البريد السعودي اتفاقات مع عدد من الجهات الحكومية والأهلية للاستفادة من العناوين البريدية، وفي مقدمتها عدد من الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، كالدوريات الأمنية والمرور، إضافة إلى هيئة الهلال الأحمر السعودي، ووزارة المياه والكهرباء، وغيرها من الجهات، ونرجو أن تتسع قائمة الجهات المستفيدة من الخدمة لتشمل جميع المؤسسات الخدمية الحكومية والأهلية بلا استثناء.
* ما العقبات التي تواجهونها في المؤسسة فيما يتعلق بتنفيذ المشاريع؟
- اعتقد أن المؤسسة لا تواجه مشكلة في تنفيذ المشاريع بقدر الاستفادة من المشاريع من قبل المواطنين والجهات الأخرى والمجتمع بصورة عامة. حيث إن كثيرا من المشاريع لم تصبح مألوفة بعد، ولم تكن موجودة في السابق، وتوجد انطباعات قديمة نعمل على تغييرها من خلال حث الجميع على تجربة خدماتنا، كنا لاحظنا أن كل المنتقدين لخدمات البريد السعودي ممن لم يجربوها، ونتمنى أن يجربوها ليحكموا عليها من واقع التجربة.
* إلى أي مدى وجدتم إقبال العملاء على البريد، في ظل وجود التقنية الحديثة كالبريد الإلكتروني والهواتف النقالة، وبرامج المحادثة على الإنترنت؟
- من المعلوم أن لكل جديد تأثيراته الإيجابية والسلبية، وظهور البريد الإلكتروني وغيره من التقنيات الحديثة أثر سلبا على نشاط البريد التقليدي في جميع أرجاء العالم ومنها السعودية، لكن التقنيات الحديثة نفسها وفرت فرصة ذهبية وثمينة لـ«البريد السعودي» لتقديم خدمات حديثة ومتطورة لعملائه، وخصوصا في مجالي الحكومة والتجارة الإلكترونية.
وأود أن أوضح هنا أن خدمات الحكومة الإلكترونية تعتمد اعتمادا كبيرا على البريد في التعامل مع طالبي الخدمة، إذ يتولى قطاع البريد - عالميا ومحليا – أداء دور الوسيط بين الطرفين، بنقل المراسلات وتسليم الوثائق بعد إنجازها إلى طالب الخدمة في منزله أو عبر أقرب مكتب للبريد، والأمر نفسه بالنسبة للتجارة الإلكترونية، إذ كيف سيتسلم المشتري سلعته ما لم يتوافر له عنوان بريدي واضح كالذي تتيحه مؤسسة البريد السعودي لعملائها؟ ونحن نعرف أن إنجاز أي عملية شراء إلكترونية غير ممكنة من دون تدوين هذا العنوان. لقد شرعت مؤسسة البريد السعودي أيضا في الاستفادة من التقنيات الحديثة في أتمتة الكثير من أعمالها الفنية والإدارية، وقلصت كثيرا من التعاملات الورقية، كما استفادت من هذه التقنيات في خدماتها المقدمة لعملائها، عبر إطلاق «عنوان واصل» الذي يعتمد على نظم المعلومات الجغرافية، ويتيح عنوانا لكل إنسان، وفي إطلاق مشروع السوق الإلكترونية الذي يتيح للمواطنين والمقيمين في المملكة التسوق إلكترونيا عبر الموقع الخاص بالسوق، وتسلم مشترياتهم على عناوينهم البريدية في فترة زمنية وجيزة.
* يشاع نبأ مفاده بأن هناك توجها لترشيحكم في منصب وزاري. هل سبق أن عرض عليك تولي أي منصب وزاري؟ وعلى المستوى الشخصي، أي الوزارات تجدها أقرب إلى نفسك؟
- ما أنا إلا مواطن سعودي مجند لخدمة دينه ثم مليكه ووطنه، أما الحديث عن منصب وزاري أو سواه فهذا الأمر منوط بقيادة بلادنا الحكيمة، التي نسأل الله لها العون في اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، خصوصا وأن بلادنا زاخرة بالكفاءات الوطنية المتميزة والخبيرة في جميع المجالات.