لما هو آت
أبجدية ما يجمل أو يكدر
د. خيرية إبراهيم السقاف
أبجدية أن تنفذ للمعرفة عن مدخل إليها، وبدهي أن البناء لا يقوم على غير دعائم تحمله وأعمدة تسنده...
وكلّما أقبلت لتتعلم أقبل عليك من يمهد لك، فلا تحسن القراءة قبل تعلم الحروف والتعرف عليها، ولا تحسن الكتابة دون أن تتقن القراءة بمثل هذا لا تتقن ما لا تعرف ومنه أن من لا يقف على أرض صلبة من دعائم عمل لا يمكنه الولوج لعالمه والعمل فيه ومن ثم النجاح في أمره..
وهناك قواسم تشترك فيها أمور المرء هي ركائز نجاحه ودعائم فلاحه يمكن أن تأتي تحت قائمة الأخلاق، فكل من يتعلم ويعمل من بعد ويهدف لإتقان ومن ثم حصد النجاح في مجال من المعرفة يختص في شأنها ومن ثم يمتهنها ليعيش عليه التحلي بها والتعود عليها ولعل أول سلمه لها الأمانة والصدق، ولو أعدناهما للشخصية الأنموذج والقدوة الأهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لتذكرناه الأمين الصادق منذ نعومة أظفاره وقبل تحمله أمانة السماء ورسالة التبليغ...
فهو بالصدق والأمانة قد كان ذا خلق عظيم ناهيك عن صبره وسماحته وجده ومثابرته؟ أليس هو من شهدت له العرب بمن عاداه فيها وحاربه بالصدق والأمانة؟ أوَليس هو من خطبته لنفسها سيدة نساء قريش خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فأمنته على تجارتها وهو في الريعان دون أن تفكر في سواه ممن يكبره عمراً وخبرة؟ أوَليس هو من خاطبه رب السموات السبع والأرضين السبع في ملكوته الأعلى وبلسانه المقدس {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم(4)؟...
أوَليس الصدق منجاة والكذب مهلكة؟
أو ليس المرء يصدق حتى يقال له صادق، ويكذب حتى يقال كاذب، فيذهب الأول للجنة ويقاد الثاني للدرك من النار؟
أوَليس لأن الصدق ينفع الصادقين يوم العرض، وأما الكذب فلا؟
أوَليس لأن الصدق يمنح الحق لصاحبه ويرفع عنه الحرج ويجلي له الحقائق؟
والكذب يدلس على الحقائق فيهلك المظلوم وينجو الظالم؟
أوَليس بعد ذلك تكون أول دعائم خلق المرء أمانته وصدقه؟
وذلك الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار، يطمئنه رسول الحق والصدق {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} سورة التوبة(40) ويصدقه الحق قوله فينجيهما؟
أوَليس هو من لا يكذب حتى كتب عند الله صديقاً؟
فكان عضداً قوياً ورفيقاً مخلصاً لرسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم؟
فمن بعد لا يقول: إن أول أبجديات المعرفة أن تقوم على الصدق مع النفس في الرغبة من الاستزادة ومن ثم يكون الإقبال على العمل بما عرف المرء فيخلص فيه بصدقه وبإيمانه أن هناك من يراه تعالى، وعليه فإن أول مراتب الصدق أن يكون مع النفس في حركاتها وسكناتها، في نيتها وعملها، فيما تنطق على لسانه أو تضمر في جنانه وأن هذا يطلب في طالب العلم بمثل ما يطلب في معلمه وفي العامل أيا كان نوع عمله ومستواه وبيئته...
كان طبيباً في مصحته أو إعلامياً في قناته ووسيلته، أو عالماً في مختبره، أو رجلاً في بيته أو امرأة في دارها تلكم هي مداخل العلم والعمل وركائزه وأول أبجديات الأخذ والعطاء في دنيا لا ما يجملها غير الصدق والأمانة ولا ما يكدرها غير الخلو منهما.