خالُ الزَّمانُ أَنّنا نَنْسَى ،،،
كانَتْ تَتَصفَّحُ طَيّاتَ الذِّكْرياتِ في قَلبها الصَغير .. وبَعْد كُلِّ صَفْحةٍ من صَفَحاتِ الذِّكْرى كانَتْ تَعودُ للوراء بسِنينَ وسِنين ..
فإمّا أنْ تَرْتَسِمَ علاماتُ الفَرَح والبَسْمَة على قَسَماتِ وَجْهِها وإمّا أنْ تَبْدَأَ الدُّموعُ الجارِحَة تَنْهالُ على وَجْنَتَيْها ،،،
كـان هذا حالُها .. في غُرْفةٍ أَطْفَأتْ فِيها الأنْوارُ مُشْعِلَةً شِمعةٌ مِن بَقايا النُور .. وهي تُرَدِّدُ وتَقُول .. يَخـالُ الزَّمـانُ أنّنا
نَنْسَى .. !!!
مـا أَعْظَمَ الذِّكرى .. ذِكْرى الأَلَمْ وذِكْرى الرَّحِيل وذِكْرى الهُجْران .. ذِكْرى الوَداعَ المُؤْلِم .. والذي تُحاوِلُ سِيادات العَالَم أَن
تَجْعَلَ كُلَّ كائِنٍ على وَجْه الكُرة الأرضية يُجرِّب هذا الشُعور الحَزين ...
بالأَمْسِ رَحَلَ .. واليَوْم رَحَلَتْ .. وغَدَاً سَأَرْحَل .. ولَنْ يَبقى سِوى دَمْعَة المُواساة التي تَبكِيها الحَجَرَ والصَّخر وإن لمْ تَجُفْ
على مُرور الدَّهَر .. فَكَيف لِقَلْبِ إنسانِ وبَشَر .. حَتى حَفيفَ الشَّجَر ونُورَ القَمَر .. وصَفاء ضَوْء الفَنَر ..
يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى .. ولا يَعْلم أنَّ ذِكرى الأَمْس أَقْوَى في ذاكِرَتِنا مِنْ ذِكْرى اليَوْم .. يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى .. ويـَـا
لِحَسْرَتِي .. فَقَد نَسِيَ هُو ذاتَه أَنَّه الزَّمانُ الذِي يُذَكِّرُ النَّاسِي مَا نَسَى ..
يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى عَبَقَ الشُهَداء وأَريجَ الشُّرَفاء ومِسْكَ الأَوْفِياء .. يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى أَلَمَ كَرْبَلاء ..وحُزْنَ
المُصْطَفى والطّاهِرَةِ وأَمِيرَ النُّجَباء .. يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى دَمْعَة طِفلٍ أو بُكاءَ النِّساء .. شَكْوة قَلبٍ أو آهَةَ ابْتِلاء ..
صَرْخَةَ رُوحٍ بَكَتْ في العَرَاء .. يَخالُ الزّمانُ أَنّنا نَنْسَى أَوْطانَ الأَصْدِقاء .. وكَرامَةَ العُلماء وشَرَفَ الأَتْقِياء .. يَخالُ الزّمانُ
أَنّنا نَنْسَى رُوحَ الله وإِمامَنا المُغيَّبْ مُنْذ سِنين ويـَــا للجَفَاء .. يَخالُ الزّمانُ والزّمانُ يَخالُ أَنّنا نَنْسَى سُكُونَ الظَّلام
وحَرارَةَ الأَشْواق وأَلَمَ الأَشْواك .. ويَخالُ أَنّنا نَنْسَى مَعْنى الوَلاء .. مَعْنى الوَفاءِ والتَّضْحِية والإِباء .. يَخالُ الزّمانُ أَنّنا
نَنْسَى أَنّهُ هُو الوَجَع وهُوَ الجَزَع وإِلهَنا وأَوْلِياءَهُ هُم الدَّواءُ والشِّفاء ..
أَيَا أَيُّها الزّمانُ .. أَما زِلْتَ تَخالُ أَنّنا نَنْسَى أَنّكَ زَمانُ الغَدْرِ وزَمانٌ يَغِيبُ فِيهِ الأَوْفِياء .. ويَمْضِي فِيهِ الأَصْحابُ
وَالأَصْدِقاء .. وَيَنْسَى الواعِدُ وَعْدَهُ بِشَقـاء .. بَيْنما تَبْقى أَنْتَ عَلى حافَّةِ الطّريقِ المُطِلِّ عَلى مَنْظَر غُرُوب الشَمْس بِيَدِك
كِتابٌ ووَرْدَةٌ ودُعَاء .. تُنادِي أَيَـا صادِقَ الوَعْدِ .. أَيَـا وافِيَ العَهْد .. أَيَـا نُورَ الله في ظُلُمات الأَرْض .. غابَ عَنّي
الأَصْدِقاء .. ورَحَلَ بَعِيداً عَنّي الأقْرِباء .. وكِدْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الغُرَباء .. وتُرِكتُ وَحِيداً فِي دَرْبٍ أَشْرَفَ أَنْ يَكُون حالِكَ
الظُلْمَةِ لا فِيهِ أَكْلٌ ولا مـاء .. فَما عَسانِي أَنْ أَفْعَل وأَنَا بَيْن ظَلامِ الدُنيا ونُورَ السَّماء .. لَقَد اكْتَفَيْتُ واكْتَفَى جُرْحِي دِماءً
وآلامَاً وعَناء .. فَعَجِّل أَيا إِلهي ظُهور النُور والنّقاء .. طَالِبَ الحَقِّ والعَدْل أَيْنَما حَلَّ وشَـاء .. ساكِن القَلْب ومُداوِي الجُرْح
فِي وَقْتٍ يَغيبُ عَنك الطّبيبُ والدّواء ..
طَأْطِئ رَأْسَك يـا بَشَرْ .. عَلَّى وَعَسى أَنْ تَحُسَّ بِظُلمِ القَدَر .. وَتَشْكو آهَةَ الظُلْمِ وآفَةَ الدَّهْرِ .. فَتَكْتُم بِصَمتِ قَلبٍ سَجينِ
الضَحايَا والعَذاب حُزْنَ السَماءِ في لَيْلَةِ اكْتِمال القَمَر ..
شَعْشِع أَيـا صُبْح نَدى نُورِك .. وعَطِّر الأَرْجاءَ بِشَذَى عِطْرِك .. وافْتَح عَلى قُلوبِنا إِلهي فَرَجاً مِنْ عِنْدِك .. ورَطِّبْ جَفاءَ
قُلوبٍ قَد خَتَمْتَ عَليها بِجَبروتِكَ وحِكْمَتِك ..
ويا أَيُها الزّمان .. لا تَخالُ ثانِيةً أَنّنا نَنْسَى .. فَلَنْ نَنْسَى .. وَلَنْ نَنْسَى .. وَكَفَى .. !!!
وعلى رُدودِكُم نَلْتَقِي .. !!!