السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البتراء مدينة وردية بناها المهاجرون المهجّرون
قضت على الرومان قبل الزلازل ونسيان العرب
عاصمة من الورد
ترتبط البتراء المدينة الفريدة بالأنباط الذين جعلوا منها عاصمة لهم والأنباط قبيلة عربية بدوية كانت ترعى الماشية وتتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الكلأ ووصل قسم منها في ترحاله إلى البتراء التي كان يعيش فيها الآدوميون وأقاموا بينهم في مدنهم وقراهم.
ونظراً لموقع تلك المنطقة الجغرافي بين مصر وفلسطين وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا ما لبثت الحياة بما فيها من كسب مادي ورفاهية العيش الذي وفرته لهم التجارة أن أغرت الأنباط بترك حياة البداوة والاعتماد على التجارة. وباتوا يقطعون الصحراء حاملين الذهب والفضة والحجارة الكريمة والبهارات والأخشاب الثمينة من بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية ويحملون البخور والمر من حضرموت. واتخذ الأنباط البتراء مستقراً لهم يخزنون فيها بضائعهم ويحتمون بين جنباتها من عاديات الزمن وقد وصفها الشاعر الانجليزي بيرجن بانها المدينة الشرقية المذهلة، المدينة الوردية التي لا مثيل لها..
لكن الروم أغرتهم ثروات الأنباط فانقضوا على المدينة ونهبوا ثروتها ولكن الأنباط سرعان ما لحقوا بالمعتدين وقضوا عليهم واستعادوا ما نهب منهم. وامتد نفوذ الأنباط في عام 90 قبل الميلاد بعد أن وقعت معركة دامية بينهم وبين الروم الى المنطقة الجنوبية من سوريا (الأردن وجبل الدروز حالياً). ولم يتمكن الروم من التغلب على أنباط البتراء على الرغم من الحملات المتكررة واتسعت مملكة الانباط حتى وصلت وادي سرحان شرقاً الى نهر الأردن غرباً والبحر الأحمر جنوباً الى بلاد الشام شمالاً.
وتأثرت البتراء بحكم موقعها الجغرافي بالحضارة اليونانية وأصبحت عاصمة الأنباط تفوق المدن العشر جمالاً وقد حاول الرومان غزوها والقضاء على استقلالها لكن الانباط اشتروا استقلالهم بالمال. غير أنه عثر على عملة سكت في روما ويعود تاريخها الى سنة 58 قبل الميلاد نقش على أحد وجهيها الملك الحارث ممسكا جملاً بيده وجاثياً على إحدى ركبتيه ومادا سعف النخل مما يبين أن النفوذ الهيليني السياسي والعسكري قد زال وحل محله الوجود الروماني. ولم يلبث الرومان أن قضوا على مملكة الأنباط سنة 105 وأسموها المقاطعة العربية . وفي سنة 636 أصبحت البتراء خاضعة للحكم العربي وعاش من تبقى من سكانها على الزراعة لكن الزلزال الذي أصابها سنة 746/748 وزلازل أخرى أفرغتها من أهلها.
ودخلت البتراء في سبات عميق استمر قروناً طويلة واستسلمت لاشعة الشمس الحارقة وللرياح العاصفة . وبقيت في سباتها هذا مختفية عن الأنظار حتى عام 1812 حيث بدأ علماء الآثار والمهتمين بزيارتها إلى أن زارها عام 1896 الويس موصل وكتب عنها كتاباً أسماه "Arabia Petraea" مما لفت أنظار العالم الى هذا الموقع الأثري الفريد.
نورد هنا أهم آثار البتراء:
السيق
لفظة السيق سريانية قد تكون سريانية وقد تكون مأخوذة من لفظة شقاقا العربية وتعني الشق أو الزقاق أو المدخل أو الدهليز وهذه المعاني بمجموعها تصف هذا المدخل الرئيسي لمدينة البتراء وهو ممر بين صخرتين يبلغ طولة ألفاً ومائتي متر وعرضه في بعض الأماكن مترين وارتفاعه من ثمانين إلى مائة متر. وعلى يسار السيق حفر الأنباط قناة تحمل مياه عيون موسى إلى وسط المدينة. ويزدان جانبا المدخل بطبقات من الصخر تتراكب وتتمازج فيه الألوان مما يضفي عليه أجواء طبيعية ساحرة ومدهشة وتزيد الرياح وهبات النسيم العليلة نوعاً من الموسيقى الحالمة المطربة. وفجأة..يجد الزائر نفسه خارجاً من هذا الممر ويرى أمامه تحفة أثرية ليس لها مثيل في العالم كله. وهي الخزنة.
الخزنة
بناء منحوت في الصخر يرتفع تسعة وثلاثين متراً وخمسين سنتمتراً وعرضه ثمانية وعشرون متراً. سمي هذا البناء بخزنة فرعون لاعتقاد سكان المنطقة بأن فرعون وضع كنوزه في الجرة الموجودة في الطابق الثاني، لذا حاولوا ضربها بالعيارات النارية لكسرها وأخذ ما فيها من كنوز. وما هذا الموقع إلا هيكلاً قبراً يتكون من طابقين، وواجهة الطابق السفلي عبارة عن ستة أعمدة كورنثية ومنه نرى البوابة الرئيسة التي تحوي في كل من جانبيها غرفة صغيرة. ويتكون الطابق الثاني من ثلاثة أسطوانات تفصل الواحدة عن الأخرى كوتان منحوتتان في الصخر. وتزين شرفة هذا الطابق رسومات الزهور والثمار والنسور.
المدرج الروماني
يتكون المدرج من 33 صفاً منحوتة في صخر رملي رمادي ويتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج. ومقابل هذا المدرج توجد مجموعة من القبور المنحوتة في الصخر وقد عثر في هذا الموقع على وعاء للخمر وعلى زجاجة وعلى تمثال لأحد الآلهة من الرخام وقد أصابه التلف وعثر على قطعة نقدية فضية للملك عبيدة الثاني (30-9 ق م ) وعلى حلقتين من الذهب للأنف وعلى صحون فخارية جميلة يعود تاريخها للفرن الأول قبل الميلاد. وعلى مقربة من القبور بلط الرومان الشارع الرئيس وورفعوا الأعمدة على طرفي الشارع.
قصر البنت
والبنت هي أميرة ذكرت في قصة خرافية كانت تسكن ذلك القصر وتتألم من عدم وجود مياه جارية فيه ومن ثم وعدت أن تتزوج من يحضر المياه للقصر وتزوجت شخصاً كان طامعاً بها . والقصر كان هيكلاً بناه الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد تكريماً للإله "دو الشرى"
الدير
هيكلاً ضخماً بلغت عرض واجهته 47 متراً تقريباً وارتفاعها 40 متراً تقريباً وقد حفرت واجهته في صخر رمادي أصفر. وفيه غرفة صغيرة حفرت في الصخر سكنها النساك وعلى واجهتيه رسماً لأسدين نقشا عليها وأطلق على الدير لقب "قبر الأسد".
المذبح
يقع بين خزنة فرعون والمدرج الروماني. له ساحة واسعة طولها 64 متراً وعرضها 20 مترا وفي هذه الساحة حفر الأنباط بئراً لتنظيف المذبح. ويقع الهيكل إلى الغرب من المذبح.