]الإدارة الإسلامية خصائص ومميزات
لم تعرف البشرية إدارة أعظم من إدارة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بل إن المدقق في سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- يستطيع أن يقول بكل ثقة واطمئنان إنه عليه الصلاة والسلام أسس لإدارة لم تعرفها البشرية قبله، يمكن أن تُطلق عليها "الإدارة الإسلامية"، والتي تُرجمت وأظهرت جدواها من خلال قيادة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي حقَّق الله سبحانه وتعالى به جميع الشروط الواجبة للمدير والقيادي الناجح، فهو صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) [النجم : 3] (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم : 4] وقد (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم : 5]، وطبق ما عُلم بكل خلق طيب (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : 4] و"الموظفون" هم الصحابة -رضوان الله عليهم- أطاعوا مديرهم حق الطاعة، واقتدوا به حتى أصبحوا "مديرين" ناجحين لتمسكهم بالأنظمة واللوائح والقواعد التي أرساها لهم.
لو نظرت في أي جانب من جوانب الإدارة أو التخطيط أو القيادة أو الاتصال أو التحفيز أو الرقابة أو التنظيم أو الإبداع، وغيرها الكثير الكثير، لوجدتها ظاهرة في صورة مثالية وبسيطة وتلقائية في آن واحد، خصوصاً في قصص الأنبياء وقصص بعض المخلوقات التي ذُكرت في القرآن، كقصة الهدهد، والنمل، والنحل، وكذلك في تطبيق المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والسلام، وخلفائه الراشدين الكرام رضي الله عنهم. بل لو أمعنت النظر جيداً في القرآن والسنة فإنك لتجد الإدارة الإسلامية لا تُضاهى في بناء أعضائها وجودة عملياتها وفعالية مخرجاتها.
في هذا المقال نسلّط الضوء على أهم الخصائص التي تتميز بها الإدارة الإسلامية عن الإدارة المعاصرة، وما تتفوق به عليها، مع ذكر أهم السمات التي تتمتع بها.
سمات الإدارة الإسلامية
أولاً: الإدارة الإسلامية عالمية النظرة كالإسلام، فهي تدعو الإنسان للأخذ بالأسباب في الدنيا والعمل الجاد لإسعاد نفسه فيها. ومع ذلك عليه بالعمل الخالص لمقابلة المصير المحتوم في الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم، عامر بالإيمان الصادق والعمل الخالص بالدنيا. ويترجم هذا المعنى السامي الإمام علي -كرم الله وجهه- بقوله: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
ثانياً: نظرة الإدارة الإسلامية للتنظيم نظرة شاملة لجميع أوجه النشاط البشري؛ فهي بذلك تهتم وترعى كل أنواع النشاط وتقويه وتصلحه وتسخره للناس كافة حتى يستعينوا بذلك لعبادة الله عز وجل، ولحياتهم في الدنيا والآخرة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة :197] .
ثالثاً: الإدارة الإسلامية ربانية، تطرح وتهزم كل الأطروحات والتنظيمات البشرية الأخرى، شرقية أو غربية؛ لأنها من لدن عليم خبير بأحوال البشر، يعلم السر وأخفى، أما البشر فهم مجتمعون أو متفرقون أضعف من أن يعرفوا السر وما هو أخفى من السر من أحوال أمثالهم من العوالم الأخرى .
رابعاً: اهتمام الإدارة الإسلامية بالفرد والجماعة على أساس أنهم جميعاً أساس المجتمع الذي يجب أن ينظم أو يطهر سلوكه الظاهري والباطني، وبذلك يتحقق الخير والمنفعة للفرد والجماعة والمجتمع دون تمييز .
خامساً: التفكير السليم القويم سمة وميزة للإدارة الإسلامية، والإداري المسلم الحق هو الذي يتمعن ويفكر في آيات الله وآلائه. يقول تعالى في كتابه الحكيم في سورة عمران: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].
سادساً: الفكر الإداري الإسلامي طُبق عملياً، وأثمر ينعه، وجُنيت ثماره منذ عهد القدوة الأول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا التطبيق المتكامل شمل كافة المؤسسات (الإدارات والدواوين) التي ظهرت في عهده -صلى الله عليه وسلم- ومن جاء من بعده من الخلفاء الراشدين الكرام. وإن إمكانية تكراره سانحة لأن مصادره باقية، وهي القرآن الكريم (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : 42]، والسنة النبوية التي لا ينطق صاحبها عن الهوى إنْ هو إلاّ وحي يوحى.
يتميز التصور الإسلامي للإدارة عن النظريات الإدارية المعاصرة بالخصائص التالية:
- أهم مميزات التصور الإسلامي للإدارة التركيز على جميع المتغيرات التي تؤثر على العملية الإدارية داخل المنظمة وخارجها.
- الاهتمام بالعوامل الإنسانية والروحية والاجتماعية والاقتصادية، كما تعمل على إشباع حاجات الفرد باشتراكه في العملية الإدارية بحسب استطاعته العقلية.
- تطبيق الشريعة الإسلامية في العبادات والمعاملات والأحكام وفي عمارة الأرض ومن أهدافها:
- ربط الإدارة بالبيئة الاجتماعية المحيطة بها والتي يُفترض أن تكون إسلامية.
- توفير المتغير الاجتماعي.
- تطبيق مبدأ الشورى.
- توفير المقومات الاقتصادية والمالية والضرورية للفرد.
- تنظيم العمل الإداري وتحديد المسؤولية والواجبات الهرمية والسلطة في العمل.