المراه والاسرار الجنسيه؟؟
____
لما خَلَتْ أمُّ إياس الأعرابية بابنتها ليلة زفافها، كان من بين وصاياها قولها: "... فلا تَعْصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أوْغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره...".
فحفظُ الزوجة لأسرار زوجها يدل على كرم خلقها، ورجاحة عقلها، ورفعة شرفها، ووفائها بعهدها، ومتانة دينها، وقوة أمانتها، وهو أيضاً دليل على صلاحها لقوله تعالى: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله (النساء:34).
والأسرار بين الزوجين إما جنسية، وإما غير جنسية، والأسرار الجنسية شديدة الخصوصية إلى درجة الحرج أو الخجل من الخوض فيها، لذلك نَهَتْ النصوص الشرعية عن الخوض فيها، ومن النصوص التي تحذر الرجل والمرأة على السواء من إفشاء السر الجنسي ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقبل على صف الرجال فقال لهم بعد الصلاة: "هل منكم إذا أتى على أهله أرخى بابه وأرخى ستره، ثم يخرج، فيحدث، فيقول: فعلتُ بأهلي كذا، و فعلت بأهلي كذا"؟! فسكتوا!!! فأقبل على النساء، فقال: "هل منكن من تفعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة، لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون" (رواه أبوداود). والسِّكة بكسر السين هي الطريق المُسْتَوي.
إن المعاشرة الزوجية الجنسية من أهم أنواع العلاقات الحميمية الوطيدة بين الزوج وزوجته، ولها مُسميات أخرى، كالجماع، والوقاع، والوطء، والمسّ... وغير ذلك، وهي من أخص الخصوصيات بين الرجل وزوجته، لذا فإن الزوجة العفيفة الحيية تتجنب تماماً الحديث في هذا الأمر.
وكثير من الزوجات يقل حياؤهن، وتضعف نفوسهن، فتجد الواحدة منهن تجلس مع صويحباتها، فتحكي لهن أن زوجها يفعل بها كذا وكذا، وتُبرز رجولته وفحولته من باب المفاخرة، فتحرك بذلك نفوس الضعيفات، وهنالك تقع كوارث، وتنهدم بيوت، فتغدو خاوية على عروشها ويتشرد أولادها وينحرفون.
أعرف حالات كثيرة، انبهرت فيها المستمعة بما تحكيه الزوجة المتبجحة المفاخرة بزوجها ورجولته وقوته وقدراته الجنسية، فسوَّل الشيطان للمستمعة أن تستحوذ على هذا الزوج، ودفعها فضولها إلى رؤيته ومعرفته، ثم أقامت علاقة معه، أدت في النهاية إلى طلاق الزوجة المفاخِرة، وحلَّت محلها تلك المنبهرة الضعيفة الدين والخُلق، وكان الأولاد هنا وهناك هم الضحية، وورث الرجل والمرأتان ذنوباً وآثاماً لا يعلم سوى الله إلى أين تذهب بهم، لذا فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفاخرة بالجماع في قوله: "الشياع حرام" (رواه البيهقي).
والمقصود بالشياع هنا: المفاخرة بالجماع.
وقد علل ابن القيم لذلك بقوله: "حرَّم الشياع وهو المفاخرة بالجماع لأنه ذريعة إلى تحريك النفوس والتشبه...".
الأصل إذن في العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته الكتمان وحفظ السر، ويستثنى من ذلك ما تذكره الزوجة أمام القاضي لضرورة، أو لدفع ضرر عنها، ومن أدلة ذلك:
1 عندما زار سلمان الفارسي أبا الدرداء فرأى أمُّ الدرداء متبذلة أي تاركة ثياب الزينة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبوالدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فقال سلمان لأبي الدرداء: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كلَّ ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم : "صدق سلمان" (رواه البخاري).
2 إنكار رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمرو اعتزاله لزوجته وعدم اهتمامه بها، مما دفعها إلى أن تشكو لوالده عندما سألها عن بعلها، حيث قالت: نعم الرجُلُ من رجل، لم يطأ لنا فراشاً أي لم يُضاجعنا ولم يفتش لنا كنفاً أي لم يرفع لنا ستراً ونصحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً" (رواه البخاري ومسلم).
3 ومن هذه الأدلة قصة نادرة، ترويها أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزبير، ثم جاءت تشكو الأخير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: والله ما معه إلا مثل الهُدبة (والهُدْبة هي طرف الثوب الذي لم ينسج) وأمسكت بطرف ثوبها وتقصد أن زوجها الأخير ضعيف جنسياً فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة!! لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته يقصد صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز لها أن ترجع إلى زوجها الأول حتى يذوق الثاني لذة الجماع معها، وتذوق لذة الجماع معه. وهذه القصة رواها الإمام مسلم في صحيحه، وقد علَّق الأستاذ عبدالحليم أبوشقة رحمه الله في كتابه القيِّم: "تحرير المرأة في عصر الرسالة" على هذا الموقف قائلاً: "هنا تشكو المرأة ضياع حقٍّ من حقوقها حسب ظنها ولصاحب الحق مقالٌ، ولو كان مما يُستحيا عادة من قوله"!ا
لمراجع منقوله من هذى المراجع وفق الله الجميع
1 ابن القيم: إعلام الموقعين عن رب العالمين.
2 جاسم المطوع: الأسرار الزوجية، الكويت: دار اقرأ الدولية، 2006م.
3 عبدالحليم أبوشقة: تحرير المرأة في عصر الرسالة، الكويت، دار القلم، 1995م