البريد السعودي في اللهب... ولم يحترق!!
عبدالعزيز بن صالح الخلف
قد لا استطيع كمواطن متابع للشأن المحلي ان اجد تفسيراً منطقياً للقرارات التي تتخذها مؤسسة البريد السعودي كقرار رفع رسوم الصناديق البريدية، وخاصة انه قرار تزامن مع قرار خادم الحرمين الشريفين بزيادة رواتب كافة المواطنين العاملين فحرم بل وأد هذا القرار فرحة المواطنين بالمكرمة الملكية السامية بزيادة رواتبهم 15٪ ان الغموض الذي يكتنف قرارات المؤسسة ومشاريعها هو ما دفعني لمناقشة هذا الموضوع والا فإني لست ممن يهوى الكتابة في الصحف او غيرها، فهذا ليس ميداني. ان هناك سر كامن في تجاهل المؤسسة لما يكتب عنها في وسائل الإعلام المقروءة منها والمرئي وهذا يعني قفزاً على تعليمات المقام السامي التي تنص على ان كل مؤسسة حكومية او قطاع حكومي مطالب بالرد، وفي زمن قياسي على ما يكتب عنها في كافة وسائل الإعلام كما لا اجد عذراً للمؤسسة وقد صمت اذنيها واغمضت عينيها عن كل ما يكتب الا اذا كانت ترى نفسها فوق كل التعليمات والانظمة فهل هي كذلك؟!
ان من البديهيات ان اي شيء يحدث في المجتمع لابد ان يدخل تحت مظلة الخير والمعروف أو مظلة الشر والمنكر وانا هنا اتساءل: اين الخير والمعروف في زيادة رسوم الصناديق البريدية؟ وما هو الفرق بين صندوق الفرد والصندوق العائلي؟ ولكم ان تتصوروا ان موظفي البريد انفسهم لا يستطيعون التفرقة بين الفئتين: فئة الافراد وفئة العائلي! وقد واجهت هذا الموقف بنفسي في احدى المكاتب البريدية، وقد عجز موظف الاستقبال في اقناعي بالفرق بين الفئتين، فالتعليمات الموجهة لهم حسب افادة هذا الموظف تقول: بأنه بامكان الفرد اعطاء رقم صندوقه البريدي لمئات الافراد من عائلته واقاربه شريطة ان يكتب على الرسائل الواردة على صندوقه (بواسطة: اسم صاحب الصندوق)، وهذا تناقض غريب في التصنيف.. فإذا كان الفرد بامكانه افادة الآخرين من عنوانه البريدي بصرف النظر عن العدد شريطة ان يظهر اسمه على رسائلهم (اي كتابة كلمة: بواسطة) فإن الصندوق الفردي يغني عن الصندوق العائلي وليس هناك حاجة للفرد في ان يدفع (300) ريال سنوياً ليرفع درجة صندوقه من فردي الى عائلي ويدفع، في حالة الصندوق العائلي، (50) ريالاً عن كل مشترك اذا تجاوز عدد المشتركين (10) اشخاص!.. ان المؤسسة وهي تقدم هذه الخدمات وتفرض مقابلها رسوماً لم تكن في وضع يؤهلها ان تجيب على العديد من الاسئلة: هل المصلحة من وراء زيادة الرسوم خاصة ام عامة؟ ما الذي يتوقف على رفع الرسوم من احوال ومصالح المواطنين وما اثر الزيادة على الافراد ذوي الدخل المحدود؟ وما هي الاسس التشريعية العامة التي تحتكم اليها المؤسسة؟ وهل المؤسسة تنفرد بمثل هذه التشريعات؟ وهل النظام يسمح لها بهذا التفرد وبالتالي فرض رسوم اضافية على خدماتها دون الرجوع الى النظام وضوابطه في مثل هذه الحالات؟ ولم تقف السياسات العشوائية للمؤسسة عند هذا الحد وزيادة رفاهية موظفيها، فمن تغيير فئات الاوزان وزيادة رسوم صناديق الافراد والمؤسسات والشركات بما نسبته 4000٪ الى تقديم ما يسمى بخدمة (مضمون) التي تغطي نقل مواد البريد الممتاز وطروده ولا ادري عن المنطق الذي يحكم خدمة (مضمون) فكيف تسمى الخدمة بالبريد الممتاز وتحتاج الى تأمين لضمان تسليمها للمستفيد؟!! الذي اعرفه ان خدمة البريد الممتاز خدمة تقدم برسوم اضافية وشروط خاصة لقبوله لضمان ايصاله (للمرسل اليه) في بلد المورد، فما هي القيمة المضافة من وراء خدمة (مضمون)؟! اترك الاجابة لفطنتك عزيزي القارئ. قد تقول المؤسسة ان التأمين على مواد البريد الممتازة وطروده غير اجباري، فإذا كان كذلك، فلماذا تطرح الخدمة اصلاً؟!! واذا لم اطلب خدمة التأمين فهل هذا يعني اني سأدفع اجرة اقل من الشخص الذي لم يؤمن على طرده او مستنداته؟! ام ان مؤسسة البريد ستكيل بمكيالين وتزن بميزانين ولن تستطيع ان تفرق، على الاقل في مراحل الفرز والتوزيع بين البريد الممتاز المؤمن عليه والغير مؤمن عليه! واذا فعلت وفرقت بين النوعين: المؤمن عليه والغير مؤمن، فإن ذلك مدعاة لكشف محتويات الطرد وتعريضه للسرقة او الفقدان من قبل الفارزين والموزعين بقصد او بغير قصد! وقد يحدث مثل هذا الفقدان والضياع من قبل موظفي الشركة الناقلة (DHL) التي تقوم بنقل البريد الممتاز تحت شعار البريد الممتاز السعودي. وليت هذه الخدمات والسياسات التسعيرية الجديدة التي استحدثتها المؤسسة لغرض تحسين ورفع مستوى ايراداتها حققت المراد ورفعت مستوى الايرادات وقلصت العجز في ميزانيتها! لقد ذكر الاستاذ ابراهيم الدغيثر الاقتصادي المعروف في مقال له منشور في جريدة الرياض في 3 محرم 1427ه بأن ايرادات البريد لم تتجاوز (700) مليون ريال وحسب علمي انا فإن ميزانية المؤسسة المعتمدة للعام 1425/1426ه كانت تقترب من (1000) مليون ريال يضاف الى ذلك العديد من الاعتمادات المالية خارج بنود الميزانية المعتمدة وهذا يعني ان هناك عجز في ميزانية المؤسسة يقارب (300) مليون ريال فمن اين تستوفي المؤسسة هذا العجز وما هي مصادر تقليصه؟ ان المصدر الوحيد هو زيادة الرسوم واجبار المواطنين على الخدمات البريدية حتى وان لم يكن لهم رأي فيها.
ومن المناسب وأنا اتحدث عن المؤسسة ان اعرج على خدمة (واصل)، وبصرف النظر عن قناعة المسؤولين في المؤسسة بنجاح هذه الخدمة من عدمها، الا اني اؤكد ان هذه الخدمة جاءت متأخرة جداً وبعد فوات اوانها في ظل وجود العديد من الوسائل الالكترونية وتقنية الاتصالات الحديثة التي قد تؤدي الى الاستغناء عنها والاكتفاء بالحد الادنى من صناديق البريد المعدنية سواء في المجمعات البريدية والوكالات البريدية او المثبتة على المنازل والشقق السكنية. ان الدراسات السابقة التي اجريت على الخدمات البريدية تؤكد انحسار بريد الرسائل الى درجة التلاشي ومما يؤكد هذا التلاشي وجود شواغر من الصناديق البريدية المعدنية في المجمعات البريدية والوكالات بدون مشتركين وهذه الشواغر موجودة حتى قبل زيادة الرسوم فكيف بها بعد زيادتها مما يجعل الاشتراك في الصناديق المعدنية آخر الخيارات واتساءل مرة اخرى هل قامت المؤسسة باجراء دراسة جدوى اقتصادية للمشروع؟ هل استفادت المؤسسة من الدراسات السابقة التي اجراها مكتب البريد الدولي المتعلقة بالتوزيع محل الاقامة في المملكة للتأكد من نجاح خدمة واصل؟ يذكر لي احد الاخوة الثقات في المؤسسة ان هناك دراسات سابقة قام بها مكتب البريد الدولي حول مشروع التوزيع محل الاقامة في المملكة ومن نتائج هذه الدراسات ان المشروع لن ينجح في المملكة ما لم يتجاوز متوسط بريد الفرد الواحد (350) رسالة سنوياً، وذكرت الدراسة ظروفاً بيئية واجتماعية واقتصادية تعد عوائق اساسية لنجاح مشروع التوزيع محل الاقامة، اذا فلماذا تمضي المؤسسة في تنفيذ مثل هذا المشروع وتتكلف انفاق مئات الملايين على مشروع يمكن الاستغناء عنه وكان بالامكان انفاق هذه الملايين على اعادة هيكلة المؤسسة وتدريب موظفيها واعادة تأهيلهم استعداداً للمرحلة القادمة من التخصيص. وعلى ذكر اعادة الهيكلة فقد صرفت المؤسسة مبالغ طائلة على احدى المكاتب الاستشارية السعودية لاعداد الهيكل التنظيمي للمؤسسة، ثم تعاقدت المؤسسة مع مكتب خارجي آخر وانفقت عليه المزيد من المبالغ لاعادة الهيكلة واعداد الخارطة التنظيمية للمؤسسة وهذا كله يصب في جملة القرارات الغير مدروسة وسلسلة عقود الخدمات الخارجية outsourcing التي تبرمها المؤسسة مع شركائها الخارجيين والمستشارين وترفض الاستفادة من الكفاءات والامكانات المتوفرة فيها ولم تلتفت الى موظفيها الذي يزيد عددهم عن (10000) موظف تم تجاهلهم تماماً ولم يبق لهم سوى قراءة الجرائد والمجلات ومتابعة سوق الأسهم لانهم فرغوا من مهامهم واعطيت لغيرهم.
اعود لخدمة (واصل) التي تسعى المؤسسة الى فرضها على المواطنين دون مراعاة ابسط الحقوق الادبية في استئذانه وسؤال عن رغبته في اختيار موضع تركيب صندوقه البريدي على منزله، فقد تم تركيب صندوق بريدي على منزلي الواقع على شارعين (زاوية) وعلى باب الخاص بالنساء والذي لا استخدمه اطلاقاً!. اعتقد عزيزي القارئ انا بحاجة الى ان نحسب عائد الخدمة المتوقع بحسبة بسيطة تتمثل فيما يلي: اذا كان المطلوب هو تركيب (مليون) صندوق بريدي في مدينة الرياض بتكلفة قدرها (195) ريالاً للصندوق الواحد سيدفعها المشترك بمجرد طلبه الخدمة، بخلاف رسم الاشتراك السنوي المقرر وقدره (300) ريال، فإن اجمالي تكاليف التركيب التي يمكن تحصيلها كإيرادات من جيوب المواطنين المشتركين شاءوا ام ابوا سيكون مبلغاً قدره (195) مليون ريال سنوياً وذلك على افتراض ان هناك مليون مواطن سيشترك بالخدمة. ولكن هل هذا العدد سيتحقق للمؤسسة؟ في ظل المعطيات التي اشارت اليها الدراسة المقدمة من مكتب البريد الدولي، انا شخصياً اعتقد ان المشتركين في الخدمة لن تزيد نسبتهم عن (20٪) اي ان عدد المشتركين لن يزيد عن (200) الف مشترك وبالتالي فإن اجمالي المبالغ المحصلة منهم هي (39) مليون ريال سنوياً، اي ان اجمالي الخسائر المؤكدة هي (165) مليون ريال سنوياً، ونحن هنا نتكلم عن منطقة واحدة هي (مدينة الرياض) وينسحب نفس السيناريو على منطقة (جدة) و(المنطقة الشرقية) بل ان الوضع قد يكون اسوأ في (المنطقة الشرقية) لأن معظم مواطنيها موظفو شركات ويستخدمون صناديق بريد الشركات التي يعملون بها، فأين الاستثمار الذي تتحدث عنه المؤسسة؟!! ان اجبار الناس بخدمة قد لا يحتاجونها على الاطلاق او على اقل تقدير ليست ضمن اولوياتهم فلن يجدي ولن يحقق للمؤسسة مصلحتها وكان الاجدر بها ان تنفق هذه الملايين في مشاريع اكثر فائدة لها ولموظفيها.
عــجــبــي !!!