حكم الاكتتاب في بنك الرياض
المفتي:د. محمد بن سعود العصيمي5/15/2008بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
فقد سئلت عن حكم الاكتتاب في بنك الرياض عبر الجوال وعبر الموقع، والحقيقة أنني استغربت كثيرا للسؤال؛ فقد ظننت أن نشاط البنك الربوي أظهر من أن يحتاج إلى توضيح وأن تحريم الاكتتاب لا يحتاج إلى بيان، ولكن مع هذه الأسئلة رأيت أن أتصفح تقرير مجلس الإدارة للسنة المنتهية في 31 ديسمبر 2007م وأنقل منه مباشرة ليس فقط ما يدل دلالة واضحة على تحريم الاكتتاب، بل على ما يدل على حجم المشكلة الربوية في هذا البلد.
وألفت نظر القارئ أن التقرير يستخدم كلمة العمولة الخاصة تعبيرا عن الربا، وهو تمييع لأمر محرم في غاية التحريم، وتلبيس وكذب على القارئ والمستثمر يجب أن يفصح عنه، وتلك التسمية لن تخفي الحقيقة المرة، ولن تنطلي على أحد.
اشتملت الموجودات في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها على:
نقدية وأرصدة لدى مؤسسة النقد تبلغ 16 مليار ريال، منها 11 مليارا باتفاقيات إعادة الشراء من مؤسسة النقد، ولا شك في حرمة تلك الاتفاقات وحرمة السندات المستخدمة فيها.
أرصدة لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مبلغ 4 مليارات ريال، منها 3 مليارات بالربا.
صافي الاستثمارات 27 مليار ريال، غالبها بل كلها سندات ربوية داخلية وخارجية، حكومية ومن شركات وبنوك تجارية ومؤسسات مالية. ولا تخفى حرمتها.
صافي القروض والسلف فتبلغ 67 مليارا، منها 5 مليارات جاري مدين، و14 مليارا قروض شخصية، و46 مليار قروض تجارية. وللأمانة، فقد نص التقرير أن القروض والسلف أعلاه تتضمن منتجات متوافقة مع مبدأ تجنب الفوائد والتي تظهر بالتكلفة المطفأة قدرها 27 مليار. ويعني ذلك أن 40 مليارا بالربا.
أما جانب المطلوبات على البنك في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها فقد اشتملت على:
أرصدة للبنوك التجارية والمؤسسات المالية تبلغ 17 مليارا، منها 16 مليارا بالربا.
ودائع العملاء 84 مليارا، منها ما لا يقل عن 34 مليارا ودائع آجلة بالربا.
مطلوبات أخرى تصل 4 مليارات ريال، منها ما لا يقل عن مليار بالربا.
سندات دين ربوية مصدرة تبلغ مليارا واحدا.
أما قائمة الدخل فقد نصت على أن البنك قد حصل على أرباح من الفوائد الربوية في عام 2007 تزيد عن 6 مليارات ريال، و5 مليارات ريال في سنة 2006، أما الربا المدفوع عن عمليات البنك المختلفة فهو 3 مليارات تقريبا في عام 2007 وملياران ونصف في عام 2006. هذا بالإضافة إلى نص التقرير على استخدام البنك للأدوات المالية المشتقة والمقايضات والعقود الآجلة والمستقبلية واتفاقات الأسعار الآجلة والخيارات واتفاقيات البيع وإعادة الشراء. ولا يكاد يجوز شيء منها من الناحية الشرعية.
وللأمانة، فقد نص التقرير في موضعين منه على الفروع الإسلامية والمنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة، فذكر إن البنك "يقدم لعملائه بالإضافة إلى الخدمات المصرفية التقليدية بعض منتجات مصرفية متوافقة مع مبدأ تجنب العمولات الخاصة، والتي يتم اعتمادها بواسطة هيئة الرقابة الشرعية".
وفي ختام هذه الفتوى لي وقفات:
- إن الحديث هنا ليس عن مسألة يسيرة ومخالفة صغيرة، بل حديث عن مؤسسة مالية كبرى تمارس الربا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وتؤذن البلد كله بحرب من الله ورسوله. وإن هذا الاكتتاب بكل هذه التغطية الإعلامية مجاهرة بمعصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب يخشى مع السكوت عنها على كل البلد من غضب الله ومقته، فالله يغار حين تنتهك محارمه. وهذه آياته الظاهرة في عقاب العصاة في كل مكان لا تخفى على أحد، وتنقل نقلا مباشرا على التلفاز، وهذا مكره سبحانه وتعالى في المرابين أوضح من الواضح، فقد انهارت المؤسسات المالية الربوية في مشكلة الرهن العقاري بين ليلة وضحاها. والله سبحانه وتعالى له جنود السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء، تعالى ربنا وتقدس، وأمره بين الكاف والنون، يخفض ويرفع، ويبسط ويقدر، ولا تحابي سننه الكونية أحدا، بل تشمل عقوبته المسلم والكافر.
- إن الواجب على ملاك البنك وإدارته والعاملين فيه أن يتوبوا إلى الله تعالى، ويتوقفوا عن ممارسة الربا الصراح عاجلا، وأن يتحولوا التحول الكامل للمصرفية الإسلامية، وأن يصححوا مسار البنك نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية، وأن لا يماطلوا في ذلك ولا يتأخروا؛ فإن من أعظم أسباب بلاء الناس في معيشتهم ورزقهم سواء بانقطاع المطر، أو غلاء الأسعار أو كثرة المصايب في البطالة والجرائم أو غيرها هو المجاهرة بهذه المنكرات التي يحرم السكوت عنها.
- إن موقع البنك من الناحية التاريخية وصلاته مع الحكومة ومؤسسة النقد تجعل العبء عليه أكبر من غيره في المسارعة للتحول، ونشر المصرفية الإسلامية، خاصة في جانب العمل في منتجات الخزينة وتمويل الشركات، ولا يصح لهم في نظري البدء في منتجات الأفراد التي يسهل تقديم منتجاتها بطريقة إسلامية، مع احتياج السوق السعودية إلى منتجات شرعية في الخزينة، وإدارة السيولة خاصة عبر صكوك حكومية شرعية ترفع الحرج عن المؤسسات المالية هنا.
- إن العتب كذلك ينصب على المؤسسات المالية الأربع الكبار في البلد، وأعني بها مؤسسة النقد العربي السعودي، ومصلحة الاستثمارات العامة، ومصلحة معاشات التقاعد، والتأمينات الاجتماعية، فهؤلاء هم الممارسون الحقيقيون للعمل الاقتصادي، ولن تنجح البنوك التجارية في وقف ممارساتها الربوية ما دامت هذه المؤسسات تغرق سفينة المجتمع بمنهجها الربوي صراحة وجهارا من غير تغيير ولا نكير من أحد، مخالفين بذلك شرع الله سبحانه، والنظام الأساسي للحكم، والنظم الحكومية الخاصة بها. وإنني أعجب ويزداد عجبي كل يوم، حيث نجد المنتجات المصرفية الإسلامية تقدم بازدياد على مستوى العالم، وتسوق في بلدان المسلمين وفي السعودية على وجه الخصوص من بنوك ومؤسسات مالية ربوية دولية معروفة، وفي الوقت نفسه نقف نحن أمام مؤسساتنا المذكورة أعلاه وبنكنا المركزي التي سارعت لطمأنة السوق أنها تضمن الاكتتاب في هذا البنك الربوي! أليس الأولى أن تسارع في ركب تطوير منتجات إسلامية، تحتاجها البشرية كلها، فضلا عن المسلمين؟!
وفي الختام، فبقدر ما فرح الناس وأنا منهم بولادة بنك إسلامي كبير مثل الإنماء، بقدر ما اغتال هذا الاكتتاب الجديد تلك الفرحة، ووأدها في مهدها. فأسأل الله لي ولكل العاملين في البنوك والمؤسسات المالية الهداية لما يحبه ويرضاه، وأن يغفر لنا الزلل، وأن يرينا قريبا اليوم الذي تكون في السعودية الرائدة في مجال المصرفية الإسلامية تنظيرا وتطبيقا، لتكمل مسيرة البناء والإصلاح والريادة للعالم الإسلامي، والعالم ككل، وعلى الله قصد السبيل.
والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=23566