ليس الصمت أن تسكت وإنما الصمت أن تسكت القلق الذي يحز في نفسك فيطغى على صمت لسانك فيعود الصمت أجوفاً لا معنى له إلا أنه امتناع عن الكلام لرغبة تفوق عمل الكلام وليس القول في أن تحرك لسانك ليتجاوب مع قلبك وإنما القول في أن تحرك قلبك ليهتز له اللسان فهل في مقدور الإنسان أن يصنع ذلك وليس له قلب وإنما له مشاعر القلب التي تنطوي على المحبة والأمل.
فمن أين يأتي بالقلب بعد أن غلبت عليه قسوة هذه المشاعر واللسان الذي يعبر عن هذه المشاعر يضيق بالصمت لما لهذه المشاعر من طاقة حيوية تعمد إلى الابتهاج في جو لا تنفع معه الكلمة الطيبة وإنما يسودها أن تكون رادعة لما في النفس من هوى لا يقبله العقل ومن أمل لا يعقبه العمل ومن حقيقة كامنة في الأعماق وليس في ظاهر القول. فليجرب الإنسان أن يصمت وعندها تتحرك العين في التأمل وليجرب الإنسان أن يلبي حاجات نفسه وعندها يتحرك اللسان ففي القلق مشاعر الغلبة وفي التوقف عنه مشاعر النسيان وإذا ما أزيلا عن الإنسان يعود الابتهاج بالتأمل وحياة الحقيقة ووجود التكامل.
ليس الصمت إلا فضيلة الحركة المفيدة الدالة على الكلام، وليس إسكات القلق إلا الفضيلة الدالة على قوة الإرادة والحزم والإيمان فهل هذا يعني أن الاعتياد على الصمت جاء بعد الاعتياد على خلو النفس من القلق فإذا ما اعترفنا بذلك فأين موضع الطموح والنشاط والتعليم إذن ليس الصمت بمعناه وقوف اللسان عن حركة القول المعبر المفيد الجميل وإنما توقفه ليجري مجراه الصحيح في نقل المعلومات للتعليم والتوجيه والكف عما لا طائل فيه ليصبح الصمت حكمة وليصبح التعبير ضرورة لتقييد هذه الحكمة في وقتها المحدد وتحت أكبر تأثير للخير والفائدة.
إذا كان الصمت يدوم طويلاً فهذا دليل على أن لا قلق في الإنسان يدعوه إلى الكلام وإذا كان القلق مستمراً فهذا دليل على أن الشغل الشاغل للإنسان يحيره فيختار الكلام للصمت في لسانه دون أن يعلم أن عينيه تبدوان كما لو تتكلمان غير أن لغة العيون أبلغ من لغة اللسان ولكن متى تتوقف حركة اللسان ويبقى الكلام للعيون ذاك أن الإيمان بالقول يدفع الإنسان إلى التعبير وإن الإيمان بالعمل يدفع العين إلى التأمل والنظر.
القلب الكبير