الخطوط والبريد ميؤوس منهما فتش عن الإدارة
د. صالح السلطان
وصف أعضاء مجلس الشورى خلال مداخلاتهم في جلسة للمجلس الربيع الماضي الخطوط السعودية بالعجوز الهرم؛ أثناء مناقشة التقرير السنوي الأخير للخطوط. الوصف ينطبق وربما بصورة أقوى أيضا على مؤسسة البريد السعودي.
كلتا المؤسستين مشهورتان بالحشف وسوء الكيلة: سوء خدمة وتشغيل بخسارة.
جاء في تقرير الخطوط الذي ناقشه المجلس خسائر تشغيلية بنحو مليار ريال (لسنة واحدة). شركات الطيران الناجحة تربح. أما خطوطنا فلا. تبلغ الخسائر التشغيلية السنوية للخطوط ما لا يقل عن مليار ريال. بالمقابل، حققت شركة طيران الإمارات أرباحا بلغت أكثر من خمسة مليارات العام الماضي.
أما الخدمة البريدية فنفهم أنها غير مربحة في أكثر الدول، بما فيها الدول المتقدمة بريديا. لا تتعجلوا، فهذه صورة ناقصة. الخسائر التشغيلية في بريد تلك الدول لا تتجاوز عادة 10 في المائة من الإيرادات. أما مؤسسة البريد السعودي فخسائرها تبلغ أكثر من 100 في المائة من إيراداتها في كل سنة. على سبيل المثال، بلغت مصروفات البريد السعودي السنوية قرابة ملياري (2000 مليون) ريال، بينما بلغت الإيرادات قرابة 600 مليون ريال قبل عام أو عامين.
من المحزن أن تحويل البريد إلى مؤسسة عامة قبل نحو عشر سنوات، كان لأهداف على رأسها أو من أهمها تهيئته للخصخصة. هذا ليس اجتهادا مني، بل جاء بنص صريح في تنظيم المؤسسة. لكن هذا الهدف أبعد ما يكون عن التحقق.
تعاني تلكما المؤسستان الخطوط والبريد مشكلات جوهرية جذرية في إدارتيهما. ولن تصلح هذه المشكلات عمليات التجميل الجارية بين وقت وآخر. فاقد الشيء لا يعطيه. علينا ألا نتوهم بأي صورة أن تطوير هاتين المؤسستين سينبع من داخلهما. إصلاحهما داخليا ميؤوس منه. تغيير رئيس الجهاز لا يكفي، فالخراب وسوء الإدارة وضعف القدرات المهنية كلها متجذرة.
أرى أنه لا مناص من بناء شراكة استراتيجية مع طرف خارجي متطور. وتبقى التفاصيل.
لنأخذ البريد مثلا. يقترح بناء شراكة فنية استراتيجية عميقة (وليس مجرد تعاون استشاري بسيط) مع بريد دولة متقدمة بريديا، والتعاقد مع عدد من القياديين في الخدمات البريدية في هذه الدولة ليكونوا ضمن المديرين في البريد السعودي، ضمن فترة زمنية واتفاق واضح ومفصل لنقل المعرفة والخبرات في إطار تنفيذ إستراتيجية جادة لتطوير البريد.
اذكروا لي مؤسسة كبرى لدينا تطورت ذاتيا، وخاصة إذا كانت منفردة في تقديم خدماتها؟
لكني أذكر لكم مؤسسات كثيرة لم تتطور بدون شراكة مع طرف خارجي. أرامكو مثال صريح وقديم. سابك مثال آخر. عملت دراسة قبل نحو 20 عاما على تجارب عدة دول نفطية في بناء صناعة بتروكيماوية، وقد انتهت الدراسة إلى أن الدول التي استعانت بشركاء أجانب متطورين، هذه الاستعانة كانت - بفضل الله - سببا جوهريا لنجاح الصناعة.
من الأمثلة الأخرى مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني. صحيح أن إدارته وطنية، لكن المعايير والتدريب وضعت أسسها من قبل إدارة أجنبية سابقة.
سيعطي السعوديون إذا عملوا تحت إدارة مهنية متطورة. ومن الأدلة على ما أقول ما نراه في أرامكو وسابك وفي البنوك التجارية.
اختيار القادة والمديرين من أخطر وأدق مراحل الإصلاح الإداري.
الإدارة الناجحة تسري في دمائها روح القيادة والتجديد والشجاعة والنزاهة.
كيف يختار الموظفون؟
كم يبقى القيادي في مؤسسته؟
كيف تطبق مبادئ الثواب والعقاب؟
من المشكلات الجوهرية في تلكما المؤسستين طريقة اختيار رؤسائهما التنفيذيين.
الإشكالية في الهيئات والمؤسسات الحكومية العامة، وبالأخص تلك التي تعمل على أسس تجارية وتهيأ للخصخصة. تعيين وصلاحيات رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة التي لها مجالس إدارة، مستقل استقلالا تاما عن مجالس الإدارة. هذه إشكالية كبرى. وخاصة في المؤسسات الحكومية التي يفترض أن تعمل على أسس تجارية، أو يعمل على تهيئتها لهذا الغرض.
إذا كان تعيين الرئيس خارج نطاق مجلس الإدارة، وإذا كانت صلاحياته ومكافآته خارج نطاق مجلس الإدارة فعلامَ يخضع لسلطة المجلس؟
هنا مقترحات
• إما أن يعين مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي (المدير العام أيا كان الاسم) أو أضعف الإيمان يرفع إلى المقام السامي بترشيح من يراه مناسبا ليكون على رأس الجهاز التنفيذي للهيئة أو المؤسسة العامة.
• التعيين على كافة المناصب القيادية داخل الجهاز التنفيذي خاضع لموافقة مجلس الإدارة.
• راتب ومكافآت رئيس الهيئة أو المؤسسة العامة بيد مجلس الإدارة، أو توصية من المجلس إلى جهة أعلى.
سُئل حكيم صيني: ما هو أفضل وقت لزراعة شجرة؟ أجاب: أفضل وقت هو قبل 20 عاما، وأفضل وقت بعده الآن. وبالله التوفيق،
المصدر
http://www.aleqt.com/2011/09/12/article_579120.html