وآخر حلقات الإستراتيجية الصهيونية الخبيثة تمثلت في قرار توقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، في وقت بالغ الحساسية تشهد فيه المنطقة توترات غير مسبوقة ، في أعقاب العدوان الإسرائيلي الغاشم علي قطاع غزة ، وصعود التيار الراديكالي بقيادة النتن ياهو لسدة الحكم في إسرائيل ، وتبعات ذلك علي العديد من المسارات في المنطقة ، وأيضا التصعيدات المستمرة من جانب الكيان الشيعي الرافضي إيران ، والذي يحرك أذنابه وعملاءه داخل الدول العربية لإحداث شغب وفوضى داخلية ، والتي تمثلت في القلاقل التي وقعت في السعودية والكويت والبحرين ، مع تهديد علني وصريح لدولة البحرين ، وتفجيرات غامضة بحي الحسين بالقاهرة ، وعبوات حارقة وناسفة في مناطق آخري بالقاهرة ، ثم تحريك ملف قضية اغتيال الحريري التي ظلت راكدة لفترة طويلة ، مع التلويح بأنه لا حصانة لأحد في هذه المحاكمة ، مع توقعات للعديد من المراقبين بإصدار قرار يطال الرئيس السوري الأسد بخصوص هذه القضية ، في وسط هذه الأجواء الخانقة من الفوضى العارمة ، تجد الأمة العربية والإسلامية في اختبار كبير يمس السيادة الوطنية ، والكرامة العربية والإسلامية، ويتسبب في إحداث بلبلة و فوضي ليست داخل السودان فحسب ولكن في المنطقة بأسرها ، ويعطي ضوءً أخضر لكل الجماعات الانفصالية والعرقية والطائفية داخل البلاد العربية والإسلامية ، بأن طموحاتهم الانفصالية ، وأهدافهم بإقامة كيانات خاصة بهم داخل بلادهم الأصلية أصبحت ممكنة وسهلة ، في ظل العجز العربي الواضح والفاضح في التصدي لمثل هذه القرارات الجائرة .
و لكن لماذا السودان ولماذا البشير؟
السودان حالة خاصة عند أعداء الأمة فهو بلد كبير مترامي الأطراف ، غني بالثروات الطبيعية ، والموارد البشرية ومصادر الطاقة الضخمة ، ويمتلك تربة شديدة الخصوبة تكفي لسد العجز الكبير في حاجات القارة الإفريقية كلها ، وكميات وفيرة جدا من المياه ، وكذلك ثروة مهولة من النفط والغاز الطبيعي ، كما أن السودان يمثل بوابة الإسلام لقلب القارة السوداء ، وشعب السودان يغلب عليه التدين والفطرة السوية ، وقادته وعلى رأسهم الرئيس البشير من ذوي التوجهات الإسلامية والوطنية التي تقض مضاجع أعداء الإسلام ، كما أن البشير نفسه قد مثل حالة من حالات الإستعصاء العربي و الإسلامي للهيمنة والنفوذ الغربي في المنطقة ، فالرجل نجح في قيادة السودان بكل إقتدار خلال السنوات السابقة ، وتجاوز كل العقبات والمشاكل الداخلية الكثيرة التي كانت تحيط بالسودان ، الذي كان يعيش حالة حرب داخلية طاحنة من سنة 1984، وواجه الرجل بكل شجاعة العديد من محاولات الإطاحة به لصالح جهات بعينها كانت تعمل بوحي من قوي الإستكبار العالمي ، وتكره الحكم الإسلامي القائم في الخرطوم [ علي الرغم من تحفظنا علي كثير من تفاصيل هذا الحكم ] ، كما أن الرجل استطاع بحنكة وخبرة سياسية كبيرة أن يعقد توازنات دولية مع العديد من الأطراف الدولية الفاعلة في مجريات الأحداث ، مثل الصين وروسيا ، كما أن الرجل استطاع بحسن سياسته أن يقنع العديد من خصومه ومعارضيه بالداخل والخارج أن يجلسوا علي مائدة المفاوضات ، وحقق الرجل نهضة عمرانية واقتصادية كبيرة في السودان ، هذا البلد الذي ظل مصنفاً لعهود طويلة ضمن أفقر بلاد العالم ، وافتتح العديد من المشروعات الهامة والحيوية ، آخرها مشروع سد مروي الذي من المتوقع أن يحقق رخاء اقتصادياً كبيراً في المنطقة ، إذا لم تتدخل كما هو متوقع القوي العالمية المعادية للسودان والإسلام في البلاد، كما أن إصرار البشير علي الصمود والتحدي للهيمنة والغطرسة الأمريكية والأوروبية ، جعل الرجل هدفاً أولياً للأعداء الأمة ، الذين يرون فيه تحدياً قوياً لطموحاتهم في السودان والمنطقة بأسرها ، كما أن البساطة والتلقائية التي عليها الرئيس البشير ، كانت تغيظ أعداء الأمة ممن يعيش ويأكل ويشرب وينام ويتخلي تحت الحراسة المشددة ، فبوش مثلاً أو حتى أحد من أدنى وزرائه لم يكن يجرؤ على زيارة بغداد إلا سراً ، فيدخلها خلسة ويخرج منها خلسة كاللصوص ، وكذلك بروان وساركوزى في بغداد وأفغانستان ، الجبن والفزع يجعلها لا يعلنان أبداً عن موعد أي زيارة للعراق أو أفغانستان ، أضف لذلك إصرار البشير علي عدم التنازل عن أي شبر من بلاده لصالح دمي وعملاء اليهود والأمريكان في السودان ، ودعم البشير المستمر والدائم لقضايا الأمة الإسلامية والعربية ، وجماعات المقاومة الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرهم ، ولو بالدعم المعنوي والقلبي ، وملاك القضية كلها أن مسألة السودان والبشير قامت في الأساس بسبب تبني فكرة تطبيق الشريعة بالسودان ، ولو كان تطبيقاً منقوصاً ، وهذا مما لا يطيقه أعداء الإسلام ويصبرون عليه ، فلذلك كله قرر أعداء الأمة حتمية المواجهة والتصعيد مع السودان لعل أن يكون ذلك ذريعة للدخول والإحتلال ، وهو عين ما يخطط له أعداء الأمة .
وأخيراً مما يكشف مدى نفاق الهيئات والمؤسسات والمحاكم الدولية أن المدعي الدولي في قضايا التحقيق أوكامبو قال في معرض حديثه مع قناة الجزيرة القطرية ، أن المحكمة لديها أدلة دامغة على ارتكاب البشير جرائم حرب في دارفور ، فلنا سئل عنها ، قال شهادة أكثر من مائة مواطن من أهل دارفور ، وهي كافية لإصدار قرار التوقيف.
ونحن نقول له أن جرائم الصهاينة ضد أهل فلسطين وقطاع غزة شهد عليها عدة مليارات من سكان الكرة الأرضية الذين شاهدوا المجازر الإسرائيلية علي الهواء مباشرة بالصوت والصورة ، وما ذلك لم يجرؤ أوكامبو ولا أي مسئول في هذه الهيئات والمؤسسات العبثية المخصصة للضغط علي المسلمين ، أن يوجه أدني تهمة للقادة الصهاينة الذين يتجولون بكل حرية في أنحاء العالم ، فأين أنت أيتها العدالة الدولية ؟ بل أين أنت يا حمرة الخجل؟