مفهوم الإدارة وشخصية المدير
فريدريك سميث مؤسس شركة "فيديرال
إكسبرس" أو "FEDEX"، أول شركة بريد
سريع في العالم استطاعت أن تحظى بإعجاب
واحترام كبيرين، يقول عنه "هينز آدم" مدير
خدمة العملاء في فيديرال إكسبريس:
(لو طلب فريدريك سميث من موظفيه، والبالغ
عددهم 13000 أن يصطفُّوا على جسـر
هرناندو دو سوتر في ممفيس، بالولايات
المتحدة الأمريكية، وأن يقفزوا من أعلى الجسر،
أؤكد لكم أن 99.99% من الموظفين
سيقفزون، إلى هذه الدرجة يؤمن موظفو
الشركة بمؤسسها الفذ).
تخرج سميث من جامعة "يال" حاملًا شهادة في
الاقتصاد العام 1966م، وانخرط في البحرية
واكتسب خبرة لا بأس بها في حرب فيتنام،
وزادت هذه التجارب من حبه للمخاطرة
والمغامرة.
بدأت المرحلة الفعلية لفيديرال إكسبريس في
أبريل 1973م، وعانت كثيرًا خلال الأعوام
الأربعة الأولى، غير أن قرار سميث بعدم
الاستسلام، مهما حصل أثبت صوابه، وأصبحت
فيديرال إكسبريس في العام 1983م أسرع
شركة في التاريخ تحقق مدخولًا بلغ مليار دولار.
أمضى سميث أيامًا صعبة وهو يحاول إقناع
المجتمع المالي بصلاحية فكرته وجدواها، فالكل
كان خائفًا من خدمة التوصيل السريع، حتى
شركات الشحن والطيران كشـركة أميري،
وشركة إيربورن، وشركة النمر الطائر، لم
تخاطر بهذه الفكرة لخوفها من المجهول
والفشل، لكن سميث الذي عاش كوابيس مرعبة
خلال البداية أثبت للجميع أن إيمانه بفكرته قد
أثمر نتائج باهرة.
ويقول سميث عن المدة العصيبة تلك: (لا يوجد
شخص على وجه الأرض يستطيع أن يحس بما
مررت به خلال الأيام العصيبة، كان الضغط
النفسي والمادي مرهقًا، وقابلت مئات الأشخاص
لإنقاذ الشركة، ولا أعرف كيف استطعت إدارة
الشـركة، وكيف وجدت الوقت الكافي لمقابلة
مديري البنوك ومئات الأشخاص، كنت واثقًا من
نجاحي، ومرت أيام كنت أعتبر نفسي محظوظًا؛
لأنني مازلت أذكر اسمي).
ولكن فريدريك سميث لم يفقد الأمل في نجاحه
للحظة، وفي نفس الوقت لم يتردد في السعي
نحو تحقيق أهدافه؛ لأنه يعلم أن التردد وفقدان
الأمل من أخطر العقبات التي تعترض طريق
الناجحين، تمامًا كما يقول عمر المختار: (التردد
أكبر عقبة في طريق النجاح).
لقد كان لدى سميث فلسفة تقول: (الناس أولًا،
ثم الخدمة المميزة، ثم الربح)، وهكذا لم يكن
هناك أي شك في أن يأتي الناس ـ بمن فيهم
الموظفون ـ في المرتبة الأولى.
ومما دعم نجاحه أيضًا سمعته الممتازة، فهو
القائد الذي يعرف ماذا يريد، ولديه الاستعداد
التام لدفع الثمن للحصول على ما يريد، مهما
كان مرتفعًا، لا نعني هنا الثمن المادي، إنما
الثمن المعنوي من جهد وتصميم وتضحية وعزم.
وفي نفس الوقت كان فريدريك سميث يحب
المخاطرة بشكل يعتبره البعض جنونًا، حتى بعد
نجاح فيديرال إكسبريس، ففي عام 1980م
وبينما كان الجميع مأخوذًا بالنجاح، لم يكن
سميث مكتفيًا بما وصل إليه ولذلك ابتكر Zapmail
"" وهو نظام لنقل الملفات عن طريق الفاكس
تفردت به في وقتها، والتي كلفت فيديرال
إكسبريس 350 مليون دولار خسائر في أواسط 1980م.
وبعدها صدم العالم أجمع في عام 1989م عندما
اشترى شركة طيران "النمر الطائر" بمبلغ 880
مليون دولار، ما رفع ديون شركته إلى مليار و400 دولار، ويبرر سميث أفعاله بقوله:
(لكي تبني مؤسسة كبيرة وناجحة عليك أن تدفع
الثمن غاليًا، كثير من الناس يعتقد أنه يستطيع
أن ينجح بالكلام والأحلام فقط، لكن الواقع
يختلف، وهو يحتاج إلى شجاعة وتصميم
ومغامرة وفعل).
ووقتها شكَّل شراء طيران النمر الطائر أخطر
مغامرة قام بها سميث حتى يومنا هذا واعتبر
مغامرة باهظة الثمن، وكان المراقبون في وول
ستريت يشككون في سميث، إذ كيف يدفع شركة
ناجحة إلى حافة الهاوية بشراء شركة جديدة،
صعبة وغير مضمونة.
لكن سميث كان يعتقد بأن الخطوط التي فتحتها
شركة النمر الطائر للطيران ستساعد فيديرال
إكسبريس على التطور وإرضاء الزبائن بشكل
أفضل، وكان النقد الموجه من الآخرين يركز
على أن دمج شركتين سيؤثر سلبًا في الموظفين
القدامى، والذين سيتأثرون بموظفين جدد
تحكمهم عقلية مختلفة لعملهم تحت إدارة
مختلفة، لكن سميث كان مؤمنًا بنجاحه وبأفكاره.
وبأرقام مختصرة يستطيع أي إنسان أن يعرف
ما فعلته هذه الشركة بقيادة سميث، فقد وصل
عدد أسطول طائراتها إلى 396 طائرة، 29000
سيارة شحن، 25000 موقع تسليم وتسلم، 297000 اتصال يومي في شبكة تربط وسائل
النقل مع الزبائن والمراكز، وتوصل هذا النظام
إلى تسليم وتوصيل آلاف الرسائل والطرود
يوميًّا في 119 دولة.
وفي أواخر التسعينات مضت فيدإكس في
عمليات تملُّك وفرت لها أرضيات جديدة
وإمكانات في الشحن إضافة إلى خدمات النقل
والخدمات التكنولوجية، وفي عام 2004م
اشترت شركة "كينكوز" مقابل 2.4 مليار
دولار، وهي شركة توفر الخدمات المكتبية
والطباعية بالتجزئة؛ وذلك من أجل إضافة
المزيد من منافذ التوزيع والاستغلال.
وها هو يلخص بعضًا من أسباب نجاحه في
مقابلة أجرتها مع جريدة "إنفستورز بيزنس
دايلي" في عام 1998م، حيث قال: (إن التحلي
بالعزيمة المطلقة في إنجاز أمر ما رصيد هام
وهام جدًا، يصاب الكثيرون بالإحباط نتيجة
لتعرضهم للشدائد أو وقوعهم في الأخطاء، إذا
أبقيت عينيك مركزتين بثبات على الهدف الذي
تنوي الوصول إليه، وكنت عازمًا على الوصول
إليه، فإن ذلك يساوي الكثير).
هذه هي المعاني التي وضَّحها لنا سميث:
العزيمة، التفاؤل، تحديد الهدف، النجاح، وهي
التي تعطي لنا مثالًا يتعلم منه كل مدير فعال
كيفية الوصول للنجاح.
ما هي الإدارة ؟
باختصار كما يعرفها الدكتور عوض القرني في
كتابه "حتى لا تكون كلًّا" فيقول: (هي التخطيط
ثم التنفيذ لاستغلال الإمكانات الممكنة والتنسيق
بينها؛ لتحقيق الأهداف المتوخاة في ظل التوجيه
والرقابة).
أساليب الإدارة:
وحتى تحقق الإدارة أهدافها، وتستطيع أن تصل
إلى مبتغاها،
فإن لها أساليب عدة للوصول إلى ذلك من أهمها
ما يلي:
1. اللوائح أولًا وأخيرًا:
وشعارها الدائم: "النظم واللوائح قبل كل شيء"،
حتى وإن كان في ذلك إضرار بالعاملين أو
بالأهداف موضع التنفيذ، ومن ثم فلا تسأل عن
احتمال وجود مساحة للإبداع أو الابتكار.
2. إدارة بلا إدارة:
وشعارها الدائم: "دعه يعمل دعه يمر"، فهي
دائمًا في انتظار الآخرين، ولذا فهي تعتمد على
رد الفعل أكثر من الفعل، ودائمًا ما تكون متأثرة
بغيرها، وهذه الإدارة لا تلقي بالًا لا للوائح، ولا
للأهداف، ولا للابتكار والتطوير والتجديد.
3. إدارة الفرد:
وشعارها الدائم: "كل شيء يسير بتوجيهات
المدير"، ومن ثم فهي تقوم على ما يتميز به
المسئول من كاريزما أو جاذبية شخصية،
وحينها يكون المدير هو المخطط والمنفذ وهو
اللوائح والنظم وكل شيء.
4. إدارة تسيير الأعمال:
وشعارها الدائم: "القناعة كنز لا يفنى"، فهي لا
هم لها سوى أن يسير العمل بوتيرة روتينة،
ومن ثم يمكنها أن تتنازل عن حقوق العاملين في
سبيل تسيير العمل، وفي نفس الوقت ليس لها
شجاعة مجابهة التغيير والتطوير.
5. إدارة التفاؤل غير المبرر:
وشعارها الدائم: "كل شيء على ما يرام"، حتى
وإن كان الواقع غير ذلك، فهي تسعى إلى تجاهل
المشكلات وعدم الموضوعية في النظر للأمور
حتى تقع الكارثة.
6. إدارة المشاركة:
وهي التي تحمل شعار: "كلنا في سفينة واحدة"،
فهي تقوم على المشاركة بين المدير والعاملين
حوله في تحمل المسئولية واتخاذ القرار وتنفيذه
بعد ذلك .
7. إدارة الأهداف:
وشعاره الدائم: "الأهداف قبل الجميع"، وهي
التي تقوم على إبراز الأهداف للعاملين بشكل
واضح ثم تقسيم تحقيق هذه الأهداف والسعي
لها على العاملين؛ بحيث يسعى كل فرد
باستمرار لتحقيق هدف محدد واضح ضمن
مجموعة أهداف العمل والمؤسسة.
صفات المدير الناجح:
1. الأمانة:
وإن كانت الأمانة شرط لنجاح الموظفين
والعاملين في أي مؤسسة أو شركة فكيف
بالمدير، وهو المؤتمن على حقوق المؤسسة
وحقوق العاملين، فإن لم يكن أمينًا فسوف يكتب
لكل هذه الحقوق الضياع، ومن ثم الفشل
والإخفاق.
2. الثقافة والخبرة:
بمعنى العلم بالإدارة وبتخصص الشركة التي
يديرها، وفي نفس الوقت لا يغني العلم عن
الخبرة، فبدونها يبقى علم المدير نظريًّا لا
يسعفه عند الحاجة إليه في المواقف العلمية.
3. الفعل والتنفيذ:
فليست مهمة المدير أن يصوغ الخطط ويعد
للعمل، ثم يجلس في مكتبه ينتظر النتاج، ولكن
الأهم أن يمتلك القدرة والرغبة في تنفيذ ما قام
بتخطيطه، ومن دون التنفيذ فإنه سيكون كما
يقول الدكتور عوض القرني: (ليس أكثر من
ديكور وضع على مكتب).
4. التواضع:
فينبغي للعاملين والموظفين أن يستشعروا أن
المدير واحدًا منهم، وليس غريبًا عنهم، فيكون
متواضعًا في غير ضعف ووهن ليكسب القلوب
الجميع.
5. المشاروة:
لأن المستبد قد يسيَّر أجساد الناس للعمل لكن
بدون قلوبهم، ولا إخلاصهم ولا طاقاتهم، وقد
يسيِّرهم باستمرار لكن في أعمال يكثر خطؤها
ويقل صوابها. المشورة حساسة و لابد من
الاستعانة بالثقة المجرب المتمرس الحكيم.
6. الاعتراف بالخطأ إذا تبين:
والاعتذار والرجوع عنه وعدم الإصرار عليه.
7. الدهاء والفراسة:
فلا يخدع بسهولة وإن كان صدقه يمنعه من
خديعة الآخرين.
أراك على القمة:
حتى لا تأخذنا الأحلام، وننسى الجهد والأفعال،
ولكن لابد أن تتخذ قرارًا فعالًا ، فكما يقول براين
ترايسي:
(كل قفزة عظيمة للأمام في حياتك،
تأتي بعد اتخاذك قرارًا حاسمًا في أمر ما)
أهم المراجع:1. حتى لا تكون كلًّا، د.عوض القرني.
2. أيتام غيروا مجرى التاريخ، عبد الله الجمعة.
3. لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.
4. القوانين العامة للنجاح، براين ترايسي.