في ظل التضخم الحالي لم يعدم رجال المال وأرباب الأعمال من حجة, بتعليق ارتفاع الأسعار-كل الأسعار- على شماعة التضخم وموجة الغلاء التي لحقت الأسواق في الداخل والخارج! فالتاجر المورد للسلع الخارجية يدعي بأن منشأ الغلاء من الخارج, أي من الدول المصدرة, بسبب ارتفاع النفط, وانخفاض الريال المرتبط بالدولار.. إلخ, والبائع الموزع للسلع المنتجة محلياً يدعي أن منشأ الغلاء من المشتقات الأولية التي تتركب منها تلك السلع, أو أن منشأه من كثرة الطلب وقلة العرض.., إلى غير ذلك من الدعاوى الكثيرة التي يختلط معها الكثير من الصواب بالخطأ, والحق بالباطل, ومع هذا, فقد مضغ الناس هذه الأعذار, ثم ابتلعوها, وبعد ذلك هضموها جيداً, ثم أخذ كل منها مجراه عبر المنافذ المختلفة..! إلا أن الذي لا يمكن مضغه, ولا ابتلاعه, ولا هضمه, هو أن تطلب من أحد العمالة الوافدة أن يشذب الأشجار المحيطة بسور منزلك, فلا يرضى أن يقوم بهذا الدور بمبلغ 30 ريالاً - كما كان يرضى به سابقاً - وإنما بمبلغ 65 ريالاً؛ وحين تفاصله في السعر يحتج عليك بالتضخم وغلاء الأسعار!!! هكذا وقع هذا الموقف بكل تفاصيله لأحد أقاربي مع أحد العمالة البنغالية, وهو غني عن التعليق!! فقد أضحت شماعة التضخم في فم كل رب مال أو عمل, مهما كانت مهنته, حتى تسلل الغلاء إلى كل منزل, وطرق كل باب!! ربما يقول قائل: إن السبب في ذلك هو نقص العمالة, فهي الأخرى كبعض السلع, انحسرت, وقل عددها, فارتفع الطلب عليها, بفضل وزارة العمل التي تولت مشكورة هذا الدور, حتى ارتفعت أسعار المقاولات- مع ارتفاع أسعار أدوات البناء- إلى أرقام فلكية, أو أن السبب في ذلك هو انخفاض الدولار الذي أضر بالريال, وبالتالي أضر بمداخيل هذه العمالة! وأياً كانت الحجة, فإن هذا الواقع لا يمكن السكوت عليه؛ لئلا تتوسع هذه (السالفة) إلى حد لا يمكن السيطرة عليه, فيطالب الابن والده بزيادة فلوس (الفسحة) بحجة التضخم, وتطالب المرأة خطيبها بزيادة المهر بحجة التضخم, وتطالب الزوجة زوجها بزيادة النفقة بحجة التضخم, وهكذا في سلسلة طويلة...لا تقف إلا عند حد الإفلاس, والخروج من الدنيا إلى الآخرة صفر اليدين, أو ربما مثقلاً بالديون والهموم!! وكم كان قرار وزارة الصحة صائباً حين خطمت غلاء أسعار بعض الأدوية - غير المبرر - بخطام التسعير, فأطلت علينا يوم الجمعة الماضي (7/11/1428هـ) بتسعير عدد من الأدوية التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مبرر, بل أيد هذا التسعير حشد من أصحاب الاختصاص, ولأهميته أنقل منه ما نصه: "صيادلة ومتخصصون عدوا هذا القرار بمثابة تصحيح جزئي لزيادات غير منطقية طرأت على أسعار بيع الأدوية كلها، ودعوا إلى إقرار خفوضات أكثر حتى يستقيم الوضع الذي استغلته شركات الأدوية بصورة سيئة... وهنا يقول أحد الذين تحدثت إليهم "الاقتصادية": هناك أدوية تصنع في الأردن تباع هناك بسعر يقل عن سعرها لدينا ثلاث مرات، ومنتج مصري يحصل عليه المصريون ومن يقيم هناك بما يعادل ريالاً سعودياً واحداً، بينما يباع المنتج نفسه بعشرة ريالات في المملكة!!!" وأظن سياق هذا التقرير كافيا عن التعليق عليه, ورجاؤنا أن تحذو الوزارات الأخرى حذو وزارة الصحة, لأن الواقع أثبت تلاعب كثير من التجار بأسعار بعض السلع المهمة, واستغلالهم لظرف الغلاء استغلالاً ينم عن شره, وضعة نفس, وقلة حياء لا يحسدون عليها, حتى تفوق كثير منهم على بعض العمالة البنغالية!!!
منقول عن جريدة الاقتصادية بتاريخ 11/11/1428
د.يوسف بن أحمد القاسم
الف شكر لك يادكتور على المقاله الرئعة هذة