يا هلا .. يا هلا
بينما كنت أمشي بما يشبه (الهرولة) في شارع (ايف مونتين) بباريس، وإذا بفتاتين آسيويتين تتقدمان نحوي وتستوقفانني بكل أدب، اعتقدت لأول وهلة انه (الإعجاب)، وبما أنني لم أتعود على مثل هذه المواقف، فما كان مني إلا أن افتح فمي (ثماني بوصات) بابتسامة (الله لا يوريكم إياها)، طبعاً توقفت رغم سرعتي، بل (وفرملت) محدثاً صوتاً من جراء احتكاك (التنس شوز) بحجارة الرصيف.
أعود للفتاتين الآسيويتين، كانت الأولى ـ ما شاء الله ـ تلبس نظارة شمسية اكبر من وجهها، والأخرى تلبس (شورتاً) قصيرا، (شلتهم وحطيتهم) بنظراتي العدوانية المتلهفة وأنا أفرد ذراعي عن آخرهما وكأنني أقول لهن: (يا هلا يا هلا)، فطلبتا مني بكل لطف، وبأصوات تشبه أصوات (العذارى) أن اشتري لكل واحدة منهن شنطة يد من بوتيك (لوي فيتون) المقابل، وأخرجتا نقودهما وقدمتاها لي بكل ثقة بحجة أن المحل لا يسمح لهن بشراء أكثر من مرّة، غير انني بهبالتي التي لا أحسد عليها رفضت ذلك، وقلت لهما إنني سوف اشتري لكما الشنطتين وبعد أن اسلمهما لكما آخذ ثمنهما منكما، وذلك زيادة مني على الحرص بتطبيق مبدأ الأمانة، فتقافزتا ضاحكتين، وحاولت أم النظارة من شدة فرحتها أن تطبع قبلة على وجنتي (المزيتة) لكنني (رغت) عنها، فيما تمكنت لابسة الشورت من أن تضربني على مؤخرتي علامة الشكر، قفزت منها محتجاً ولكن بعد أن فات الأوان.
دخلت إلى البوتيك، وتفحصت الشنطات ـ ويسميها أهل الشام (الشنتات)، ولها مدلول آخر عند أهل الخليج ـ المهم أخذت أتفحص الحقائب عدة دقائق واخترت اثنتين، وقبل أن أدفع الثمن سألتني البائعة سؤالاً لم أتوقعه وقالت: هل أنت سوف تشتري هذه لك أم لغيرك؟!، فقلت لها مستغرباً: طبعاً لغيري (أنت شايفتني إيه)؟!، فهذه حقائب نسائية، فأجابتني معتذرة: أقصد هل هي لأهلك أم لأغراب؟!، وقبل أن أجيبها لمحت الفتاتين تراقبانني بتوتر واضح من خلف زجاج البوتيك.
قلت للبائعة: الحقيقة إنها ليست لأهلي، عندها قالت لي البائعة (مازحة): هل أنت مغفل أم أن شكلك هكذا؟!، أجبتها (بمزح أكثر من مزحها) وقلت: إنني في الواقع مغفل بدون (نمرة واستمارة)، ضحكت بدون أن تفهم كلامي، وبعد فاصل لم يستمر طويلاً من الابتسامات التافهة قالت بعد أن مسحت انفها (المرطب): أن هناك فتيات آسيويات يستدرجن السياح المغفلين من أمثالك لكي يشتروا لهن الحقائب ويدفعن لهم نقوداً مزيفة.
وعندما سمعت منها هذه الكلمات أحسست وكأن هناك من ضربني (كفاً) على صدغي، بل أن همتي (المشعللة) أصلاً أحسست بها قد خمدت دفعة واحدة، ومن يومها إلى الآن وهي ولله الحمد خامدة.
شكرتها، وخرجت متجها إلى الفتاتين، وأنا أصر على أسناني وأردد بيني وبين نفسي قائلاً: (يا بنات الإيه) ـ وهذه الجملة ما هي إلا شتيمة غير مؤدبة يفهمها أهل مصر ـ طبعاً عندما شاهدتني الفتاتان وأنا خارج خالي الوفاض، لم تلتفتا بوجهي، وولتا الأدبار من أمامي، ولم يفرسني غير لابسة الشورت (التركواز) وهي تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، ساعتها وددت من أعماق فؤادي لو أنني تحولت بقدرة قادر إلى جزار وبيدي (ساطور) وهي ممدة أمامي على الخشبة ـ ما يهم حتى لو كانت بكامل ملابسها.