[frame="7 80"]وعندماجـلس هـوعلى مكتبه.. وواضعا يده على لوحة المفاتيح .. أمامه شاشة باردة باردة .. أضاءها .. نّقل أصابعه بين الأزرار.. يمناه تمسك بالفأرة ..الفأرة رشيقة مطيعة ترتبط بسهم مضيء .. أمرها بالبحث .. لا أحد يستجيب لأمره سواها .. بحثت .. تبدلت أمامه الصفحات على اللوحة الزجاجية .. توقف عند اسم امرأة .. حفظ كل ما قيل عنها ..أرسل رسالة عبر الجهاز البارد .. لم تستجب .. أرسل أخرى ..عجبا كأن هذه المرأة لا تعترف بحياة هذا الجهاز الهام؟؟ لابد إذا من وسيلة أخرى .
رفع سماعة الهاتف .. لّقمه رقمها وانتظر .. ردت .. تعرف عليها ..عرفها على كل ما يرغب أن يعرفه الناس عنه .. بادلها حديثا دافئا .. استجابت لمحادثته .. أعجبته بعفويتها وطلاقة روحها .. أعجبته بتصديقها لكل ما قاله ..الغرباء دائما يصدقون كل ما نقول .. أو هكذا نظن .. الأغراب لا يكذبون .. لا يخادعون .. هم دائما أكثر مدعاة للاطمئنان .
طلبت إرسال صورته .. توقف .. أمعن التفكير .. قد لا تعجبها صورته.. ألحت .. تأخر زادته إلحاحا .. أرسل لها صورة ممثل أجنبي طالما تمنى أن يكونه , أو يحمل بعضا من ملامحه, دعا الله مئات المرات ألا تكتشف خديعته
وصلتها الصورة ..الممثل شخص مشهور .. تظاهرت بتصديقه .. شكرته على جهوده وراحت تقرأ له تحليلا لوجهه .. لا تربطه بالصورة المرسلة أية وشيجة .. حدثته عن عينيه الحزينتين , عن نظرة الشك التي تندفق منهما لتغمر العالم من حوله ..عن مشروع بسمة لم يكتمل .. كان يستمع إليها ذاهلا , تحليلها لشخصيته في منتهى الدقة .. هل تحمل صورة الممثل التي أرسلها كل هذه المعاني؟؟؟؟؟
وضع السماعة من يده ليغرق في موجة من الضحك .. ما أغباها ..قال في نفسه ..صدقت أكذوبتي وشغلت نفسها بتحليل الصورة ودراستها .. تظن نفسها خبيرة بكل شيء .. ادرسي يا صديقتي ادرسي وهات ما عندك .. بيدرك لن ينتج قمحا ..ولا تبنا ادرسي ما طاب لك الدرس
رفع السماعة من جديد .. ليغازلها .. بل ليشدها إلى مغازلته .. يحكي لها عن حرارة الجسد .. تحلق به في فضاء الروح .. يحدثها عن جولاته المحمومة في سوق العمل تعود به إلى تحليل الصورة .. تحكي له عن العينين الناطقتين بمرارة الخيبة .. عن نظرة مرتابة لا تثق بالآخر .. تغمره الدهشة , يقطع الاتصال ملقيا اللوم على شبكات الهاتف ويعود إلى الشاشة المضيئة , يفتح بريده .. يحاول التأكد من الصورة التي أرسلها : أهي صورته ؟؟؟
يطلب منها التواصل عبر المحادثة على الإنترنت .. لا تستجيب .. تؤكد له أنها تعتبر نفسها كائنا حيا .. لا آلة ملحقة بجهاز الكومبيوتر, تطلب منه الحضور إلى بلدها , يعدها بالكثير, ثم يتهرب .. شيء ما يشده إليها ,شي.. مشابه يجعلها في انتظار دائم لرسائله وهواتفه ..لصوته العذب .. لعبارات وكلمات اختص وحده في لفظها بهذا الحنان .. لأجواء هي ملكه وحده .. لا يشاركه فيها أحد ..
تعود الى الصورة : ألم تلاحظ الشبه الواضح بين وجهي ووجهك ؟ يتهرب من الاجابة .. تنقطع المحادثة .. تكمل الموضوع وحدها : كلانا يا صديقي باحث عن الغريب .. بعد خيبة أملنا فيمن حولنا ..بعد هضمهم لحقوقنا ووقوفهم ضدنا .. أجل التشابه بيننا هو ما جعلك تكلف نفسك عناء الاتصال الهاتفي .. وجعلني أقنع نفسي بأن كلامك يستمطر الفرح .
حدثني عن نفسك : ماذا تحب وماذا تكره .. ماهي رؤيتك للمستقبل .. يصمت ولا يجيب حدثيني أنت عن نفسك : أأنت جميلة ؟ صفي لي تفاصيل جسدك .. يدور ويدور في الحديث خشية أن يعطيها عن نفسه معلومة تستنكرها فتقلع عن الإنصات إلى حديثه بكل هذه اللهفة .
انتصف الشتاء .. البحر الفاصل بين مدينتيهما في ذروة هيجانه .. الرياح العاتية تعبث بكل شيء , تحمل مراكب الصيد لتحطمها على أرصفة الموانئ , تنتزع الأشجار الضخمة .. ترميها على الإسفلت , تقطع بها حركة المرور في الشوارع .. إدارات الدولة تقطع التيار الكهربائي تجنا لوقوع المزيد من الكوارث ولكن...... كل الكوارث لديه تجلت في انطفاء الشاشة المضيئة وتوقف الهاتف عن نقل مكابداته إلى من تصدقه ولا تعترض .. ولا ترى من شخصه إلا ما أراد لها أن تراه .. ومازالت الصورة المرسلة لغزا محيرا .. أهي غبية لدرجة جعلتها تصدق أنه هو صاحب الصورة ؟ أم أنه أخطأ فأرسل لها صورته الحقيقية ؟ أم أنها تبني تحليلاتها على افتراضات لا علاقة لها بالصورة المرسلة؟
فعندما تفكرنام.. وعندما تستيقظ إحلم ..و لكي يكون حلمك حقيقيا يجب أن تبقى مستيقضا .!!!
منقووول..
ملاحظـه
جرى بعض التعديل
تحياتي[/frame]