[FRAME="15 70"]
أحـــن الى صــــوتـــك
على الأرجح أنكِ تجلسين الآن في أحد الصفوف الدراسية. أنا أيضا أكتب إليكِ من أحد الصفوف. كيف امتلكتُ الجرأة لأخط رسالة باللغة العربية في مكان يعج بهؤلاء الذين تنوح اللغة في ألسنتهم حزنا وكمدا؟ ربما من فرط الملل. لا تخافي، فأنا لا أزال ذلك الفتى الخجول الذي تعرفينه. بيد أن في داخلي ذلك الفتى المتهور الذي لا تعرفينه. على أي حال، ليس هذا ما أردت قوله، ولكن... ما بالقلم حيلة!
أكتبُ إليك في هذا الصباح العادي بامتياز، لأخبركِ أني أحن إلى الأوقات التي قضيناها معا ذات شتاء دافئ قبل عامين. أحن كثيرا إلى تلك الصباحات التي كنتِ تضيئينها بابتسامتك، وتعطرينها بكلماتك. أحن كثيرا إلى ذلك اللون الوردي المتعلق بوجناتكِ وشفاهكِ، رغما عن كل غزوات شحوب التعب وشبح الإرهاق التي لم يكن لها إلا لملمة خذلانها كلما اقتربت من وجهكِ الوضّاء. أحن إلى تبرمك من كل شيء كما يليق بمراهقة! أحن إلى إحباطاتكِ التي لم يبدُ أنكِ تبالين حين طرحتها في صدري دون اهتمام. أحن إلى خطواتكِ الوادعة، وسكناتكِ العذبة التي كانت تغمر أرجاء الدار بالسلام. وأحن إلى صوتكِ الذي حُرمتُ منه كما حُرِمتُ من رؤية وجهكِ الحنون قبل حين.
لم أسمع عنكِ شيئا منذ فترة طويلة. أبعدتني الدنيا والآخرون عن بعض ما كان يربطنا من بعيد. كيف تعيشين حياتكِ هذه الأيام؟ هل تحسن الحياة إليك؟ هل تعاملك برفق كما يجب أن تعامل أميرة؟ هل لا زلت تكتبين؟ لم أقرأ شيئا مما كتبته أبدا، لكنني لا أزال آمل في ذلك. وددت دائما لو أننا عقدنا صفقة تبادلين فيها بعض أوراقكِ السرية، ببعض أوراقي العلنية. فمنذ أن امتدت حياتي إلى الانترنت، أصبحت أحيا دون كتابات سرية. هل علي أن ألعن هذه الشبكة العنكبوتية أم أغنيها؟ لا أدري، ربما لا زال الوقت مبكرا لكي أدري.
وأخيرا، فإن هذه الرسالة لن تصل إليك، لأسباب لا أفضل الخوض فيها من مرارتها. ستظل هذه الرسالة هنا، تنتظركِ حتى تصلي أنتِ إليها و تقرأيها. كم سيستغرق ذلك من وقت؟ لا أظن أني أستطيع شغل بالي بأمر كهذا. وحتى لو وصلتِها، هل ستدركين أنها موجهة إليكِ أنتِ بالذات؟ ما لم ألّمح لك، فلا أظن أن ذلك سيحصل أيضا. هل يبدو كل ما سبق عبثا لا طائل من وراءه؟ لن أجيب هذه المرة، وسأكتفي بالقول أن الحياة عبثية. فإن حصل ورمى عبث الحياة أحدنا في درب الآخر، فإن ذلك سيكون من دواعي سروري؛ أما إن لم يحصل، فلا ندم، فقد اكتشفت أن لا فائدة من الندم. استمتعي، اهتمي بنفسك، واسلمي لأحبابكِ[/FRAME]