قد مدح الله عباده المؤمنين بالتواضع فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). وقال صلى الله عليه وسلم : (طوبي لمن تواضع في غير مسكنة وانفق مالا جمعه من غير معصية ورحم اهل الضعف وخالط اهل الفقه والحكمة) وقال صلى الله عليه وسلم (طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه من غير مسأله وأنفق مالا جمعه في غير معصية ورحم اهل الذلة والمسكنة وخالط اهل الفقه والحكمة) وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: جلس جبريل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر الى السماء فاذا ملك ينزل فقال جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة فلما نزل قال: يا محمد ارسلنى اليك ربك افملكا نبيا اجعلك او عبدا رسولا؟ قال جبريل : تواضع لربك يا محمد قال : بل عبدا رسولا. وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم ان يجيب دعوة الحر والعبد ويقبل الهدية ولو انها جرعة لبن او فخذ ارنب ويكافيء عليها ويأكلها ولا يستكبر عن اجابة الأمة والمسكين ويقول: (ان من رأس التواضع ان تبدأ بالسلام من لقيت وترد على من سلم عليك وان ترضى بالدون من المجلس وان لا تحب المدحة والتزكية والبر) وسئل بعض الصالحين عن التواضع فقال: (تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله وتسمع منه) ويقول ايضا: (من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب) وروي مكتوب في كتب الله: (اني اخرجت الذر من صلب آدم فلما اجد قلبا اشد تواضعا لي من قلب موسى عليه السلام فلذلك اصطفيته وكلمته) وقيل: (من عرف كوامن نفسه ويشكر يطمع في العلو والشرف ويسلك سبيل التواضع فلا يخاصم من يذمه ويشكر الله لمن يحمده) وقال لقمان عليه السلام: (لكل شيء مطية ومطية العلم التواضع) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذا تواضع العبد رفعه الله الى السماء السابعة) وقال: (ان التواضع لا يزيد العبد الا رفعة فتواضعوا رحمكم الله) وقال ايضا: (ان الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يبغى احد على احد ولا يفخر احد على احد وقال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاحالناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه الى طبقات الجو وهو وضيع
فأقبح شيء ان يرى المرء نفسه رفيعا وعند العالمين وضيع
كان عمر بن عبدالعزيز قبل ان يلي الخلافة تشتري له الحلة بألف دينار فيقول: ما احسن هذا الثواب لولا خشونة فيه فلما ولي الخلافة كان يشترى له الثوب بخمسة دراهم فيقول: ما أحسنه لولا ليونه فيه فقيل له: اين ملبسك ومركبك قبل هذا ؟ قال: خير الناس من تواضع لله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اذا رأيتم المتواضعين في امتي فتواضعوا لهم واذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم فان ذلك مذلة وصغار) وقال: (التواضع للمتواضعين تواضع لله والتكبر على المتكبرين تواضع لله) قال قتادة : (من اعطي مالا اوجمالا او ثيابا او علما ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالا يوم القيامة) وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عظم نفسه للناس وضعه الله ومن تواضع لله رفعه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره ان يتمثل له الناس اليه قياما يعظمونه بذلك مقعدا من النار) قال يحيى بن معاذ البرمكي (الشريف اذا تنسك تواضع والسفية اذا تنسك تعاظم) ومع الاسف الشديد ان بعض المتعلمين او المتشبهين بالصالحين يتقوقع وينزوى ويظهر الذلة والمسكنة امام اهل المناصب او الاغنياء فيسيء سمعة الحق واهله فيطلق السفهاء السنتهم على اهل الفضل وكثيرا ما تسمع في السنة السفهاء ذكر المطاوعة بالقبيح وذلك لاساءة المطاوعة على انفسهم حتى وجد السفهاء سبيلا عليهم ويروى في الزمان الاول: (ان قاضيا غنى له مغني فطرب فلبس في عنقه حبلا وقال: جروني هدية للكعبة فأنا بقرة) فصارت مثلا لمثل هذا الساقط وعمر بن الخطاب رضى الله عنه لما رأى الرجل المتطامن قال له: (ارفع رأسك لا تفسد علينا ديننا) وقال الشيخ صالح بن علي الحارثي لرجل رآه منزويا متطامنا (مالك) قال: لبست عمامة فتطيوعت قال: شد رقعتك الذي يطيوع يترخم اي يصير رخمة ونزع العمامة من رأسه فالقاها في الارض) وقال مالك بن دينار: (احبس ثلاثا بثلاث حتى تكون من المؤمنين الكبر بالتواضع والحرص بالقناعة والحسد بالنصيحة).
من كتاب الاستاد سيف علي البطاشي