يتصل المقال هنا بما تقدم الحديث عنه في المقالين الأخيرين، المتركز على توزيع تكاليف وعوائد التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، والتعرف على درجات تحمل تكاليف التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني متجها إلى 2020، والعوائد المحتملة لبرامج التحول بين ثلاثة مكونات رئيسة: المكون الأول - الحكومة. المكون الثاني - القطاع الخاص، الذي ينقسم إلى جزءين، الجزء الأول ممثلا في الجانب المنتج والمشغل، والجزء الثاني ممثلا في الجانب المكتنز وملاك الأصول. المكون الثالث - المجتمع بكل ما يمثله من أسر وأفراد.
تقتضي أهمية معرفة ما سيطرأ على تلك المكونات الرئيسة بالتفصيل، بهدف الوصول إلى ضبط وتأمين تنفيذ برامج التحول الاقتصادي، بما يحقق أعلى معدل للعوائد المستهدفة من التحول، مقابل أدنى معدل ممكن من التكاليف المحتملة، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي، أو على مستوى المكونات الرئيسة. خلص المقال الثاني "أيهما أكبر رسوم الإنتاج أم رسوم الأراضي؟" إلى وجود مفارقة كبيرة في حالة المكون الثاني "القطاع الخاص"، عند المقارنة بين ما سيتحمله كل جزء من الجزءين الاثنين الممثلين للقطاع، على مستوى التكاليف والأعباء المالية المتطلبة لتنفيذ برامج التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني، تأكد أن الجانب الأول "المشغل والمنتج" سيتحمل الكثير من الأعباء والتكاليف التي يتعين عليه تجاوزها، مقابل عدم تجاوز التكلفة على الجانب الثاني "مكتنزو ومحتكرو الأراضي والعقارات" نسبة 2.5 في المائة من قيمة ثرواته المعطلة.
هنا يستكمل الحديث عن تحديات المكون الثالث "المجتمع"، وقدرة #حساب_المواطن على التصدي للتضخم المتوقع نتيجة تنفيذ برامج تحرير أسعار استهلاك الطاقة، وإقرار عديد من الرسوم والضرائب على العمالة الوافدة والخدمات البلدية، الذي تعهد باحتواء 100 في المائة من الارتفاع المتوقع في تكلفة المعيشة "مباشرة، وغير مباشرة"، التي ستتحملها أول شريحتين من المجتمع يقع مستوى دخلهما الشهري تحت 12 ألف ريال شهريا، قدر مجموع أعداد أسرها بأعلى من 1.1 مليون أسرة "31.8 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "9.0 مليون فرد، 40.3 في المائة من إجمالي عدد الأفراد". بينما تعهد الحساب بتحمل جزء من الارتفاع المتوقع في تكلفة المعيشة بالنسبة للشريحتين الثالثة والرابعة، اللتين يقع دخلهما تحت 20.16 ألف ريال شهريا، قدر مجموع أعداد أسرها بأكثر من 1.4 مليون أسرة "40.3 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "9.4 مليون فرد، 41.8 في المائة من إجمالي عدد الأفراد". واستثنى الحساب الشريحة الخامسة من تغطيتها بالدعم النقدي، التي يتجاوز دخلها 20.16 ألف ريال شهريا، قدر مجموع أعداد أسرها بنحو 1.0 مليون أسرة "27.9 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "4.0 مليون فرد، 17.9 في المائة من إجمالي عدد الأفراد".
يعد محور #حساب_المواطن أحد أهم المحاور إن لم يكن الأهم في سياق تقدمنا نحو تحقيق برامج التحول الهيكلي الاقتصادي، ولأخذ هذه الأهمية القصوى على محمل الجدية اللازمة، يجب الأخذ بعين الاعتبار جانبين بالغي الأهمية؛ الجانب الأول: معدل التضخم "ارتفاع تكلفة المعيشة" بالنسبة للشرائح الأدنى دخلا، ذلك أنه عادة ما يأتي أعلى بكثير من المعدل العام! فخلال الفترة 2013 - 2016 التي لم يتجاوز فيها المعدل العام للتضخم التراكمي نسبة 8.6 في المائة، أظهر التغير في متوسط إنفاق الأسرة السعودية ارتفاع معدل التضخم للشرائح الأدنى دخلا بنسب تجاوزت 24.1 في المائة، أي بما يتجاوز ثلاثة أضعاف المعدل العام، ما يعني بالضرورة القصوى أخذ تلك التفاصيل الدقيقة في عين الاعتبار حال احتساب البدل/التعويض النقدي، الذي سيتم دفعه شهريا للمستفيدين من #حساب_المواطن.
الجانب الثاني: ضرورة احتساب القروض المصرفية "استهلاكية، عقارية" ضمن معادلات #حساب_المواطن، التي تستقطع 35 في المائة أو أعلى من الدخل الشهري للمستفيدين لأعوام طويلة، والتركيز هنا على الدخل الفعلي المتاح لرب الأسرة، والحذر من إهمال هذا الجانب، كونه سيتسبب في حرمان شرائح واسعة من المواطنين المقترضين من دعم مستحق، سيكون لهم داعما مهما جدا في مواجهة الأعباء المعيشية المرتفعة مستقبلا. تكفي الإشارة هنا إلى أن احتساب هذا العامل المهم على مستوى إعادة تبويب الشرائح الخمس للدخل الشهري، حسب تقديراتها الأولية المشار إليها أعلاه، سيحدث تغييرا عميقا في توزيع تلك الشرائح، يعيده إلى الوضع الأقرب إلى الواقعية، ويعزز بدوره من كفاءة دور #حساب_المواطن، ليكون فعلا خط حماية أقوى لأجل تحقق برامج التحول الهيكلي المستهدفة للاقتصاد الوطني.
وفي حال تم احتساب تلك القروض المصرفية في معادلات #حساب_المواطن، يقدر أن يتضاعف مجموع أعداد الشريحتين الأولى والثانية إلى أعلى من 2.2 مليون أسرة "61.4 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "16.1 مليون فرد، 71.9 في المائة من إجمالي عدد الأفراد"، وأن يتراجع مجموع أعداد الشريحتين الثالثة والرابعة إلى نحو 1.1 مليون أسرة "30.2 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "5.1 مليون فرد، 22.8 في المائة من إجمالي عدد الأفراد"، وهما الشريحتان اللتان خرج منهما مئات الآلاف من الأسر لتنضم إلى الشرائح الأدنى دخلا بعد احتساب القروض المصرفية، وفي الوقت ذاته انضمت إليها مئات الآلاف من الأسر التي كانت محتسبة ضمن الشريحة الخامسة الأعلى دخلا، التي يقدر انخفاض أعداد أسرها بعد احتساب القروض المصرفية إلى نحو 300 ألف أسرة "8.4 في المائة من إجمالي أعداد الأسر السعودية" "1.2 مليون فرد، 5.4 في المائة من إجمالي عدد الأفراد".
رأينا هنا كيف تغيرت تماما موازين احتساب المستحقين من عدمه لدعم #حساب_المواطن، بالاعتماد فقط على عاملين "التضخم التفصيلي للأدنى دخلا، والقروض المصرفية"، وهو الأمر الذي يستحق أن توليه إدارة #حساب_المواطن أعلى درجات عنايتها القصوى، وأن تتأكد في حال قامت بهذه الإجراءات الاحترازية رغم ارتفاع تكلفتها، إلا أنها ستكفل في الوقت ذاته حماية أكبر وأقوى لمشروعنا الوطني المتمثل بتنفيذ برامج التحول الهيكلي لاقتصادنا الوطني، والوصول به آمنا محميا إلى بر الأمان، وإلى هدفه المنشود من قبلنا جميعا. كما ينبغي النظر إلى أي زيادة تكاليف محتملة في هذا الجانب، على أنها زيادة في تأمين تحقق "الرؤية" و"برامج التحول"، عوضا عن أنها قد تكون هدرا ماليا غير مبرر أو يمكن تجاوزه دون إلحاق أضرار بمقدرات المجتمع، وهو ما يجب أن تحذر منه كل الحذر إدارة #حساب_المواطن، لما في ذلك من مخاطر وآثار وخيمة، لا يجب السماح لها بأن تعرض مشروعا وطنيا عملاقا كمشروع "الرؤية" لأي من تلك المهددات أو المعوقات غير المبرر وجودها. والله ولي التوفيق.
# منقول
عبدالحميد العمري
الاقتصادية