البريد .. والوصول إلى القمر
عبدالله يحيى بخاري
كتب الصديق المخضرم الأستاذ عبدالله عمر خياط يوم الأربعاء الماضي 16 ذو القعدة 1430هـ مقالا لاذعا في «عكاظ» بعنوان «الوصول إلى القمر قبل وصول البريد».
ومن أهم ما جاء في خطاب الأستاذ خياط المقتطفات التالية :
«يلوح لي أننا «السعوديون» سنصل إلى القمر.. قبل أن يستطيع المسؤولون في المؤسسة العامة للبريد القضاء على مشكلة تأخر وصول الرسائل وما هو في حكمها.
فلقد رفعت المؤسسة رسوم الاشتراك في صناديق البريد فقبلنا والأمر لله. واشترطوا ألا يكون الصندوق بما يصل إليه إلا باسم المشترك أو اسم الشركة، فقلنا طيب. وكخطوة رائدة على حد تعبير المسؤولين في مؤسسة البريد اخترعوا مشروع «واصل» فإذا به يتعثر وتتكسر صناديقه قبل أن تصل إليه الرسائل.
وتمضي الأيام ولا يجد المواطن ولا المؤسسات أية جدوى من الاعتماد على خدمات مؤسسة البريد، فيلجأون إلى شركات النقل الخاصة رغم التكلفة العالية التي لا يمكن للمؤسسات الحكومية أو الجامعات أن تتحملها بحسب النظام المالي في ظل وجود مؤسسة عامة للبريد حتى وإن وصلت الرسالة بعد فوات الأوان، أو انقضاء المناسبة التي حملت الرسالة الدعوة إليها.
وهذا ما يحدث معي.. ومع عدد من الزملاء الصحافيين والكتاب، إذ تصلنا الدعوة من أقرب موقع من عناويننا ألا وهو جامعة الملك عبدالعزيز بجدة بعد موعد المناسبة بأيام.
آخر دعوة.. كانت لحضور حفل افتتاح المؤتمر الدولي لترشيد استعمالات المياه في المناطق الجافة والذي «كان» سيقام يوم الإثنين 23/10/1430 في الجامعة، وكان يسعدني حضور هذا المؤتمر وحفل افتتاحه.. ولكن كيف لي أن أحظى بشرف حضور هذا المؤتمر المهم والرسالة لم تصل لصندوق بريدي إلا بعد انقضاء الحفل وانتهاء المؤتمر بستة أيام؟، والمؤكد أن الدعوة صدرت من الجامعة قبل أسبوع على أقل تقديري.. كما حدثني زملاء الحرف من كتاب «عكاظ» أنهم لم يتسلموا الدعوة حتى الآن..
أعود فأسأل: هل صحيح أن وصولنا إلى القمر باختراع سعودي سيتحقق قبل أن يصلح حال البريد عندنا كما يلوح لي؟!
لا أدري لماذا يغضب أبو زهير. احمد الله يا عزيزي أن الرسالة وصلتك، حتى وإن كانت متأخرة أسبوعا أو أكثر. هناك غيرك من لا تصله رسائله إطلاقا، وهم لا يعلمون هل أعيدت الرسائل إلى مرسليها أم أنها أحرقت أم مزقت!
يقول أبو زهير: إن مسؤولي البريد فخورون بأنهم قد «اخترعوا» مشروع واصل. وكيف لا يفخرون، فهذا أفضل ابتكار شهدناه في تاريخ تطور البريد، يدل على نبوغ نحسد عليه. وكيف لا وهو الاختراع الذي تتسلل يده إلى جيب المواطن بكل فهلوة، وبالرغم من كل المعاهدات الدولية. ألا تعلم يا صديقي أننا فتحنا بذلك مجالات بريدية لم يكن العالم يحلم بها؟ ألا نكون بهذا قد وضعنا بصمتنا الخاصة على الحضارة البشرية وساهمنا في تطورها؟ كيف لا نفخر بهذا الإبداع يا عزيزي؟
ثم ألم يشيد بإنجازنا البريدي ويطبل لها بعض مسؤولي منظمات البريد العالمية، بالطبع دون «إيعاز منا ودون أن ندعوهم لذلك ونرسل لهم الهدايا ونحتفي بهم في المنتجعات».
مصيبتنا أننا نظن أننا أكثر الناس ذكاء على هذا الكوكب، وأننا نستطيع بالفهلوة أن نتفوق على جميع من سبقونا بمئات الأعوام، وأننا نستطيع أن نعيد اختراع العجلة من جديد. مصيبتنا أننا نقيس النجاح بمدى ما نستطيع جمعه من رسوم وأموال وبأية وسيلة، وليس بتطوير الأداء والإنجاز وتحسين نوعية حياة المواطن وتسهيل أمور معيشته.
مصيبة البعض التي نعاني منها يا صديقي، هو أنهم يعتقدون أنه في إمكانهم خداع جميع الناس في جميع الأوقات.
هذا ينطبق على أمور كثيرة في مجتمعنا للأسف، فنحن لسنا إلا مجتمعا من البشر يعاني من كل نواقص البشر. ولكن جهود الإصلاح في كل أمور الحياة بتحكيم العقل والمنطق والأمانة والإخلاص في العمل، وتحمل المسؤولية وإنكار الذات، وجعل الإنسان أو المواطن المنطلق الأساسي، هي ما يجب أن ينير لنا الطريق لتحسين نوعية الحياة، كما حدث في أوروبا بعد انقضاء عصور الظلام ومع بداية عصر النهضة على وجه الخصوص.
لذلك، للإجابة على سؤالك أخي أبا زهير، إذا استمر الوضع البريدي على فلسفته الحالية، فربما يتحسن وضعه، ولكن بعد أن نصل إلى القمر باختراع سعودي «غير واصل».