ثقافة مؤسسة البريد



د. عبدالله بن يحيى بخاري
كثيرون هم الذين كتبوا عن المشكلة - حديث المجتمع - التي تسببت فيها مؤسسة البريد بمشروعها الغريب العجيب المدعو )واصل( والشركة التي تديره بموجب عقد ضخم واسمها )ناقل(, وكتبوا عن الزيادة المجحفة التي لا مبرر لها إطلاقاً في رسوم البريد وفي أجور صناديق السيد )واصل(. كما كتبت الصحف أن هذا الموضوع قد نوقش في مجلس الشورى بتوسع وصدر به قرار من المجلس سيرفع قريباً إلى ولي الأمر رعاه الله.

الذين كتبوا احتجاجاً على ذلك هم مجموعة من أبناء هذا الوطن, ومثقفيه, ومسؤوليه, وأساتذة جامعاته الذين قضوا جل حياتهم في خدمة هذا البلد المقدس ويتمنون له أعلى درجات الرقي. من بين هؤلاء الأفاضل الذين كتبوا أساتذة جامعات وأعضاء في مجلس الشورى مثل الدكتور محمد القنيبط والدكتور عائض الردادي والدكتور عبدالعزيز الصالح وغيرهم, وكتاب كبار مثل الأساتذة عبدالله خياط وعبدالله باجبير وقينان الغامدي, وسيأتي بعدهم آخرون إلى أن يحق الحق. وهؤلاء جميعاً لا مصلحة شخصية لهم أو منفعة خاصة في ذلك سواء من مؤسسة البريد أو غيرها, بل هدفهم الأساسي هو حماية المواطن وإحقاق الحق ودفع الظلم (البريدي) عن المجتمع.

الساكن في أدغال الأمازون, أو في أحراش إفريقيا, أو في القرى النائية في مصر ولبنان وسوريا واليمن, يصله البريد المرسل إليه في منزله منذ أكثر من قرن, بينما مؤسسة البريد لدينا تسمي ذلك حدثاً تاريخياً, وتتقاضى عنه رسوماً إضافية كبيرة. مؤسسة البريد تحاول جاهدة وبكل يأس إقناعنا بأنها أعادت اكتشاف العجلة بإدخال نظام اسمه واصل لتوصيل البريد لأصحابه, هكذا وكأنهم جاؤوا )أمراً عجباً(.

فهل في هذا الوقت الذي تتزايد فيه الأعباء الاقتصادية على المواطن, مع ارتفاع أسعار الأدوية والغذاء والوقود والكهرباء وجميع المواد الاستهلاكية, تقوم مؤسسة البريد من خلف الصفوف لتزيد إرهاق كاهل المواطن الضعيف برسوم جديدة بحجة تطوير خدمات البريد, ثم لا تترك له أي مجال للاختيار أو الاعتراض, باتباع طريقة )أنت حر, ولكن لا مفر لك من قبولها(!

وبالرغم من كل هذه الكتابات والاحتجاجات والتساؤلات المشروعة, لا تزال مؤسسة البريد لم تجب على سؤالنا السابق, وهو: على أي نظام استندت المؤسسة في فرضها لهذه الرسوم الجديدة وزيادة الرسوم السابقة على صناديق البريد في المجمعات البريدية, خلافاً لما جاء في المادة العشرين من النظام الأساسي للحكم? فبدلاً من أن نسمع توضيحات مقنعة, قام المختصون في مؤسسة البريد بالإيعاز للبعض للرد على صفحات الجرائد نيابة عنهم بكلام مبهم ومواضيع إنشائية.

ولكن الأغر ب من ذلك ما جاء في الصحف على لسان مدير عام المؤسسة في تبريره لتحطيم الآلاف من صناديق البريد في العاصمة الرياض, بأن هذا دليل على ثقافة المجتمع!!

فهل أصبح تحطيم صناديق معاليه - كنوع من الاحتجاج على هذا المشروع الاستفزازي - دليلا ومؤشرا على ثقافة الشعب السعودي? أهذا هو رأي رجل مسؤول على درجة كبيرة من العلم في مجتمعنا وفينا? إما ان يقبل ويرضخ المجتمع للابتزاز البريدي, أو يهاجم وينتقد من قبل مسؤول بأن هذا نتاج ثقافة اعتداء وتحطيم?

نحن نعلم يا معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات أنك رجل في غاية النزاهة والشفافية والأمانة, وأن علمك وخبرتك في مجالك لا تضاهى, وأنك الرجل المناسب في المكان المناسب. ولكن أين أنت من هذه )الدوشة( التي تسبب فيها جهاز يتبع لوزارتك? لماذا لا توضح لنا الأمر? لماذا اختفيت وتركت غيرك يصرح ويرد ويداور )ويشتم( أيضاً? ألا نتذكر توجيهات مليك البلاد خادم الحرمين الشريفين رعاه الله للجهات الحكومية بالرد على ما تنشره وسائل الإعلام في حينه لإيضاح الحقائق, وهو ما نشرته جريدة الحياة في 29 شعبان 1426هـ?

وهل اطلعت يا معالي الوزير على ذلك الإعلان الضخم من مؤسسة البريد الذي نشر في الصحف المحلية لتأهيل شركات لتوزيع البعائث البريدية? أنا شخصيا استفسرت كثيراً ولكن لم أجد أحداً يعلم أن هناك في بلادنا شركة سعودية واحدة متخصصة لديها كل هذه الشروط والمواصفات المطلوبة, إلا إذا كنا نتحدث عن شركات مثل (دي. إتش. إل) أو (فيدرال إكسبريس) أو ربما شركة جديدة أخرى سوف تنشأ خصيصاً لهذا الغرض. إذا كان الأمر كذلك, فربما يكون هذا مبرراً جيداً (لنتف ريش) المواطن, أليس كذلك?