يتعرض فئة من العاملين في المؤسسةإلى شيء من الغبن أو الظلم "الإداري" الذي يكون مصدره إما بعض الأنظمة المعمول بها في تلك المؤسسة أو سوء تطبيق تلك الأنظمة أو الاثنين معاً.
فتتمثل صورالظلم الذي يلحق بالموظف المجتهد بسبب اللوائح والنظم الإدارية التي تمثل الإطار القانوني الذي ينظم حقوق وواجبات العاملين فيها،فعندما لا يتم الالتزام بنص أو روح هذه اللوائح ،أو عندما يتم الالتزام بها حرفياً دون الخروج عليها ـ حتى لو كان ذلك يصب في الصالح العام ـ يقع الظلم على شريحة من العاملين في تلك المؤسسات ، وهذا النوع من الظلم ينشأ جراء مساواة اللوائح والنظم بين الموظف الذي يؤدي واجباته الوظيفية على أكمل وجه ـ بل ويزيد أحياناً عطاؤه على ماهو مطلوب وقتاً وجهداً ـ وبين أقرانه في العمل الذين يقدمون أٌقل من المطلوب ، لكنهم يحصلون على أكثر مما يحصل الموظف الأول من المزايا والمكافآت التي تتيحها الوظيفة ، ربما لما لديهم من مؤهلات أخرى غير تلك التي ترد في بطاقة الوصف الوظيفي لوظائفهم ، فهم يتقنون صنعة " مسح الجوخ " ويجيدون فن الكلام والمراوغة ويحترفون في إقامة الحفلات وبسط صحون الذبائح .

الصورة الأخرى للظلم الإداري التي قد تحصل في بعض المؤسسات الحكومية تتمثل في إسناد المسؤوليات على أسس ليس من بين أولوياتها الكفاءة المهنية للموظف، وإذا ما تجاوزنا ما تسببه هذه الحالة للموظفين الأكفاء من إحباط ، فإن لها تداعيات سلبية على أداء المؤسسة ، فهي تؤدي إلى صعود غير الأكفاء درجات السلم الوظيفي وهؤلاء ـ وبدافع من شعورهم الداخلي بأنهم غير مؤهلين للمناصب التي يشغلونها ـ يعيشون على هاجس القلق من مرؤوسيهم الأكفاء الذين يرون فيهم تهديداً لمناصبهم ، وبالتالي فإنهم يناصبونهم العداء ويشنون عليهم حرباً خفية مستخدمين ما تتيحه لهم المسؤولية من قدرة على تسخير اللوائح والنظم لتزييف الحقائق من أجل حجب الضوء عنهم خوفاً من أن يحلوا محلهم على كراس يدركون جيداً ـ هم قبل غيرهم ـ عدم أهليتهم لها.
في هذه البيئة يشعر الموظف الكفء بمرارة الظلم الذي يلحق به لكنه مع ذلك يقبل بالأمر الواقع ،ربما لما يوفره له العمل في المؤسسة من استقرار وظيفي أو لما عليه من التزامات عائلية تثقل كاهله ، والغالبية العظمى من الموظفين الذين يتعرضون لمثل هذا الظلم هم الذين اختاروا عدم السكوت على الخطأ ، والأمانة في أداء أعمالهم ولم يلجأوا إلى التزلف إلى رؤسائهم وإسماعهم ما يودون سماعه ، وليس ما تقتضيه منهم الأمانة المهنية والمصلحة العامة ، مثل هؤلاء الموظفين للأسف هم الأكثر عرضة لظلم هذه الفئة من الرؤساء .
وعندما يكون المدير هو مصدر الظلم الذي يلحق بالموظف ، لن يكون أمام الأخير سوى خيارين ، أولهما التظلم إلى الرئيس العام أو المسئول الأعلى ، وفي هذه الحالة تلعب العلاقات الحميمة بين المدير ورئيسه ـ الذي ينظر في التظلم المرفوع له ـ دوراً في اغتيال العدالة التي يبحث عنها الموظف المتظلم ، فغالباً ما يتم غلق الباب في وجه الأخير بحجة أنه تجاوز التسلسل الإداري ، فيضيع صوته إلى إشعار آخر ، وكثير من الموظفين "العقلاء" يضع نصب عينيه هذه العلاقة الحميمة ، على اعتبار أن المدير واصل وأن رئيسه لا يقبل في أي حال من الأحوال أن يتعرض مدير رشحه هو لمساءلة قانونية أو اللجان تحقيق داخلية ، وحتى عندما يحال الموضوع على لجنة تحقيق داخلية ، فإن نزاهة أعضاء تلك اللجان قد تغيب بدافع كون أغلب أعضائها موظفين في تلك المؤسسة لهم مصالح ينظرون لها بعين الاعتبار .
ونتيجة لذلك يضيع حق الموظف المتظلم، بل ربما في حالات كثيرة تطير الوظيفة أو ينقل إلى إدارة أو عمل لا يتناسب مع إمكانياته وخبراته .
الخيار الثاني : هو أن يغلف الموظف المظلوم معاناته بالصمت والاحتساب أو بالشكوى إلى الله ثم يبوح إلى زملائه وأصدقائه وأهله الذين لا يملكون سوى نصحه بالصبر حتى يحين موعد الفرج ،وعندما تطول فترة الصبر تترك لدى ذلك الموظف انعكاسات سلبية على نفسيته قد تمتد إلى حياته الأسرية وصحته بصورة تؤدي إلى تراجع أدائه في العمل، ألأمر الذي ينتج عنه خسارة المؤسسة لطاقة ذات مؤهلات مهنية عالية كان يمكن أن توظف لتقديم عطاء متميز ينعكس بمردوده على المجتمع ككل.
هذه الحالات تستدعي تفعيل دور الأجهزة الرقابية للقيام بالرقابة الدقيقة والمستمرة لأداء إدارات المؤسسات الحكومية لضمان عدم الإخلال بأمانة العمل والوظيفة ، وبموازاة ذلك يجب معالجة الاختلالات التنظيمية والإدارية في مؤسسات القطاع العام بما يضمن تقليل المركزية التي تدار بها تلك المؤسسات ، فالسلطة المطلقة لدى المدير هي أحد مداخل الظلم الإداري كون النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي.
ومع يقيني بأن المدير الظالم لا يقرأ مثل هذه المقالات ما أن تقع عينه على العنوان، وهو إن قرأ لن تردعه كلمات عن الاستمرار في غيه للباسه رداء الكبر والغطرسة .
و لا أجد ما أختم به هذه المقالة سوى توجيه هاتين الرسالتين إلى طرفي العلاقة في هذا الموضوع:
الرسالة الأولى: إلى كل موظف يعيش حالة ظلم من قبل مديره، واظب على العطاء والمثابرة ولا تجعل الإحباط واليأس يعرفان طريقهما إليك، وتذكر دائماً أن أحلك الساعات ظلمة هي تلك التي تسبق انبلاج نور الفجر.
الرسالة الثانية إلى كل مدير ظالم : اتق الله في ما اؤتمنت عليه من مسؤولية ، وتذكر دائماً بأنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك."

وتعرض الفئة الأخرى وهم الذين لا يقبلون السكوت على الخطأ والأمانة في أداء أعمالهم إلى كثير من الظلم والقهر ـ وهذا من وجهة نظري ـ عقاب من تلك الإدارات لهم؛ لأنهم لا يتزلفون ولا يتملقون ولا ينافقون ولا يكذبون.
نقول أننا مسلمون وبتصرفاتنا، الإسلام منا براء..
ظلم ..
قهر ..
كذب ..
نفاق ..
" الدين المعاملة " ..
وانظروا إلى تعاملنا مع بعضنا البعض..
"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "
والصلاة لم تردع هؤلاء عن جملة من التصرفات التي لا يرضى بها الدين الإسلامي الحنيف، الذي قام على العدل والمساواة ودفع الظلم عن الناس.

كما أن أسر وعائلات هؤلاء الموظفين تتأثر بحالته النفسية فيتحملون الكثير من النوبات النفسية التي تحدث له .
أملي وطموحي أن يفهم أولئك القابعين خلف مكاتبهم..
والذين تركوا مهمة مراقبة العمل .. لعملائهم السريين..
أن....
يجلسوا مع نفسهم.. ولو لمرة واحدة..
وأن يحاسبوا أنفسهم على ما اقترفت أيديهم قبل أن يحاسبوا..
حينها سوف يعرفون مدى ما اقترفوا في حق وطنهم وإخوانهم ..
وستكون البداية لتصحيح المسار .. إلى غد مشرق لهذا الوطن الغالي.