فهد إبراهيم الدغيثر
إلى متى ومدننا الكبرى بلا عناوين ولا سعاة بريد
من أكثر الأمور غرابة في هذا الزمن المتقدم غياب البريد وموزعي البريد عن مدننا في المملكة. الوسيلة الوحيدة لإيصال الرسالة البريدية هي وضعها في صندوق البريد الحديدي في دوائر البريد. مهمة الحصول على هذه الرسالة تبقى لدى المستفيد "المواطن" أو الشركة. فإذا توفر موظف يذهب يومياً لهيئة البريد ويفتح هذا الصندوق فاعلم أن رسائلك ستصلك في وقتها المحدد أما إذا تكاسل هذا الموظف أو السائق فهذا يعني تأخر وصول الرسالة.
السبب الرئيسي بنظري هو مع الأسف غياب العناوين المنزلية في مدن المملكة. الجميع يستعين عند الحاجة للدعوات أو إيصال أي مشتريات بما يسمى "كروكي" للموقع. في دعوات الزواج والمناسبات يضطر الداعي إلى وضع هذا الكروكي في بطاقة الدعوة خلافاً لأي مكان آخر في العالم المتقدم حيث يكتفى بوضع العنوان فقط. والعنوان موضوعه عالمياً سهل جداً فهو رقم الوحدة السكنية ثم مسمى الشارع والمنطقة. أي إنه ليس بالتعقيد الذي قد يخطر على بال البعض. أين المشكلة إذاً؟ المشكلة ربما تكمن في مسميات الشوارع وفي تسمية الأحياء وفي ترقيم الوحدات وفوق كل هذه العوامل أو بسببها الامتناع عن الممارسة. كان منزلي على سبيل المثال يحمل رقم 12 في الشارع الذي يحمل مسمى رجل يتكون من أربعة أسماء ولم أسمع به في حياتي ولا أدري من هو حتى اليوم. قبل عام أو عامين تم تغيير الرقم من 12 إلى رقم يحمل أربع خانات، أي بالآلاف رغم أن الشارع ليس طويلاً إلى هذا الحد من عدد الوحدات السكنية. ليس ذلك فحسب بل تم وضع صندوق بريدي جديد يحمل اللون الأخضر الفاتح على الجدار وتم تسليمنا مفاتيح وأوراقا ما زلت أحتفظ بها ولا أدري متى سأستخدمها. بمعنى أن ما تم التخطيط له قبل سنوات لم يفعل حتى اليوم. هذا يذكرني بلوحات السيارات التي تتغير كل عامين. فتارة يوضع رقم واحد باللغة العربية ثم يتم التغيير الى وضع أرقام وأحرف أبجدية أيضاً بالعربية فقط ثم تم التغيير مؤخراً بإضافة اللغة الإنجليزية بعد معاناة البعض في تركيا عند ذهابهم إليها بالسيارات. هذا يعني أننا اكتشفنا للتو أن مالك السيارة قد يذهب إلى تركيا أو أي مكان آخر لا تستخدم فيه اللغة العربية. هذا هو التخبط الذي لا يغيب عن ذهن أي مراقب ومتابع.
الغريب هنا أن مطاعم الوجبات السريعة قد أنجزت مهمة التعرف على المنازل وإيصال الطلبات بلا عناء. يوجد لدى هذه الإدارات البسيطة سجلات في أجهزة الحاسب المكتبية توضح مكان المنزل بمجرد إدخال رقم الهاتف ويذهب سائق سيارة التوصيل للمنزل ويقوم بتسليم الوجبات ساخنة ولذيذة. أما البريد فما زال يعاني من مشكلة. هل سبق وأن شاهدتم سيارة بريد تتجول في المدن وتتوقف لتوصيل الرسائل والطرود؟ أنا إلى الآن لم أشاهد سيارة واحدة للبريد في الرياض تقوم بمهمة كهذه ، والحقيقة لا أعرف إن كان يوجد سيارات كهذه في الأصل. آخر مرة أشاهد فيها ساعي البريد في المملكة كانت في حائل قبل عام١٩٧٠ وفي تلك الأيام كان الساعي يعرف كل السكان ويعرف منازلهم بلا عناوين مكتوبة.
المأساة الحقيقية بنظري وبعيداً عن الدعوات والمناسبات السعيدة هي في حالات الطوارئ التي قد تقع في أي منزل لا قدر الله. فسائق سيارة الإسعاف قد يستغرق وقتاً لا يستهان به للتعرف على منزل المريض مما قد يؤثر على حياة هذا المريض وربما يرحل قبل وصول الإسعاف. حتى في النواحي الأمنية لا يمكن تسجيل نداء استغاثة مع وضع العنوان لدى مأمور النجدة فقط بل لا بد أن تقابل سيارة الشرطة عند أقرب تقاطع أو محطة للمحروقات. تخيل لو كنت في منزلك ومحاصرا بواسطة عصابة سطو واتصلت زوجتك من مكان آخر بالمنزل بالشرطة؟ كيف يمكن الخروج من المنزل لمساعدة سيارة الشرطة في الوصول إليك وإنقاذك؟ من ينقذ من هنا؟ مشاهد مضحكة ومؤلمة في الواقع. نحن نعيش أيامنا وكأننا للتو خرجنا إلى الحياة لا نكترث بأي تخطيط ولا بأي تدابير أو ممارسات مفيدة.
معظم أمورنا "تمشي على البركة" كما يقال.
على أي حال، لكل مشهد سيئ نهاية. لنضع نهاية لهذا النقص الخطير في المعلومات والتخطيط والممارسة.
فهل نبدأ اليوم بحملة نسميها مثلاً "لا منزل بلا عنوان". حملة محددة الزمن ويتم التخطيط لها بطريقة مبتكرة ويدعمها برنامج إعلامي دقيق للتوعية؟ حملة كهذه لا بد وأن يشترك بها البريد والأمانات والشرطة ولا مانع من الاطلاع على ما قامت به مطاعم الوجبات السريعة من جهود ويتم من خلالها تذليل كل العقبات التي وقفت في الماضي ضد استخدام العناوين بحيث ينتهي زمن الحملة والجميع قد بدأ بممارسة كتابة العنوان والاكتفاء بذلك. تنتهي الحملة ثم نبدأ بمشاهدة سيارات سعاة البريد وهم يجوبون الأحياء لتوزيع الرسائل والطرود التي تصل إلى أصحابها كما هي الحال في كل مدن العالم؟ http://www.alwatan.com.sa/news/write...6996&Rname=317