بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم
اخواني و اخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان ما نلاحظه اليوم مما يكتب في بعض المنتديات وخاصة الساحة البريدية يندى له الجبين , واصبحنا في صراع لتفسير حرية الكلمة ,,,
الاصل فيمن اختار لنفسه طريق حرية الكلمة و اختارته الظروف لها عليه ان يمارس حق حرية الكلمة , وهو اصيل مولود مع ولادة كل انسان بلا استثناء , فتكون الممارسة جزءا من حياته و ممارسة علنية مباشرة , هكذا في وضح النهارجهار دون تقنية ,,, ان حرية الكلمة ان كانت بالصحف او المنتديات ليست امرا اختياريا لدي الانسان يستمتع به او يتخلى عنه ,,,فمن اختار لنفسه حرية الكلمة ميدانا و مارسه عن جدارة يحمل من اللحظة الاولى امانة ثقيلة و مسؤلية كبيرة , تفرض عليه فرضا ان تكون كلمته حرة من القيود و الضغوط و الوان الابتزاز المرئية و غير المرئية , وان يكون راية بعيدا عن الوان التزيف و التضليل و التنميق ,,, والا فليرتزق بطريق اخر ,
وتثبيت الحرية اساسا لحرية الكلمة هو ايضا من مسؤلية صانع القرار في اي مكان كان , فتعامله مع ذالك الحق الاصيل يجعل منه اداء بناء او هدم ,اذا كانت و ماتزال الكلمة الملتزمة بالحق هي المدخل الرئيسي والاوسع للوصول الى قدر اعظم من تحرير الامكانيات و الطاقات للبناء و الخروج من وهدة التخلف و تحرير العقول و السواعد للتعبئة ووضع حد لعصر الفساد و الظلم و الانحطاط الاخلاقي ,,,,
فمن لا يعمل من أجل حرية الرأي للآخر وفق ضوابط وثوابت كبرى مشتركة ووفق قيم الحرية ومعاييرها لا يكون جديرا بممارسة حرية الرأي والتعبير، سيان تحت أي عنوان يتحرك ويكتب ويصور بل هو عبء على أي اتجاه ينسب نفسه إليه.
مازال المشوار طويلا.. طويلا لتحقيق ما يكفي من التطور لحرية الكلمة الذي نعايشه، ولتأخذ الحقوق والحريات مكانتها الأصيلة، ولكن الشوط المتحقق خلف وراءه إخفاقا شديد الوطأة على التيارات المعنية والسلطات التي احتضنتها.
بالمقابل لم تعد ساحتنا الثقافية تشهد "إرهاصات تغيير" فحسب وفق تعبير طالما استخدمه المتفائلون لبث الأمل في ساعات الظلمة الحالكة، بل دخل عالمُ حرية الكلمة في مرحلة التغيير فعلا، وبدأ التحول يأخذ مجراه
إلى وقت قريب كان إغلاق منتدى او حذف موضوع أو طرد عضو أو حتى اغتيال قلم من الأقلام بقتل صاحبه وكانت أفاعيل مقص الرقيب ممارسات جارية دون اعتراض، فكانت الكمامات توضع على الأفواه والأعين والآذان دون تأوه.. وجميع ذلك على نطاق مكثف واسع. هي حقبة مخزية ولكن مغزى حصيلتها عميق.
إن ممارسي الاستبداد لحرية الكلمة أرادوا به السيطرة على صناعة الإنسان وفكره وصياغة إرادته وعقله بل وإنتاج ذوقه وميوله، أي تطويع الجيل لتقديس مَن لا يجوز تقديسهم من أفراد حاكمين و مسؤلين وطاعة ما لا تجوز الطاعة فيه من إهدار لمصالح المجتمع وتفريط في مقدساته وارضه و حاضره ومستقبله .. فماذا كانت الحصيلة؟
الحصيلة أننا نعايش حقيقة وجود جيل آخر بمواصفات أخرى غير ما استهدفته السلوكيات الاستبدادية. من ذلك ما بلغ حد تطرف خطير، ويوجد مََن يساهمون في تضخيمه وتنميته عبر استغلال خطره لأغراضهم الأخطر منه، ولكن هذا المشهد الموضوع في المقدمة من خشبة المسرح لا يحجب واقعا واسع النطاق في اتجاه تطور إيجابي من شأنه أن يدفع عجلة حرية الكلمة في الاتجاه الصحيح.
إلى وقت قريب كان بعضنا يشكو من أنه إذا أمسك القلم ليكتب شغله اختيار العبارة المناسبة أكثر من العثور على الفكرة الصائبة ناهيك عن أصل الخوض في قضية صاخبة تفرض نفسها، فالحرص على الوصول بقول حر صحيح إلى قارئ يحترم نفسه وحريته وكرامته هو حرص المضطر إلى انتقاء كلمات تقول ما يريد هو ثم لا يفهمها الرقيب فيحجر عليها وربما على صاحبها
هذه رقابة ذاتية بقيت لوقت طويل أشد وطأة من الرقابة الخارجية، أما الآن فالغالبية تكتب كثيرا مما تراه -بغض النظر عن اتجاه صاحب القلم- مع الثقة بحتمية الوصول إلى القارئ أو المستمع أو المشاهد على أي حال.
لقد تحولت القضبان التي صنعتها الرقابة إلى قضبان تحيط بمن صنعوها، فانعزلوا مع ذاك النمط المرفوض من حرية الكلمة .
ونعتقد من قبل ذلك وبعده أن الرقابة الحقيقية والنافعة التي يحتاج إليها الرقيب على الدوام هي تلك الصادرة عن إدراك صاحب القلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وذاك مما يشمل ما شاع في العصر الحاضر وصفه بالتزام الثوابت والقيم والمصلحة العليا، فذاك ما لا ينبغي أن يحيد المرء عنه سواء اشتغل في النقد البناء
أو في سواه.
ومن ذلك قول الحق لا يخشى فيه لومة لائم وفق ما يعتقده هو حقا وما تيقن من صحته، وما يقدر تحقيق الخير من وراء الجهر به لا الفتنة والضرر، ثم هو يحرص على تحقيق المصلحة العليا تبعا لذلك لا تقديم مصلحة شخصية أو مصلحة من يواليه على سواها.
ومن ذلك أيضا تجنب توزيع الاتهامات بلا حساب، وتعميم الأحكام دون تفكير، ورؤية مواقف الحق والاستقامة والصواب وإن صدرت عن خصم اعتاد في الأصل ألا يتجنب باطلا ولا خطأ ولا انحرافا، فإن حرية الكلمة لا تسقط في حمأة التشهير إلا وتهبط بنفسها ومستوى صاحبها إلى الحضيض، وتصبح جسرا لنشر الأحقاد والضغائن بدلا من السمو بنفسها وبصاحبها إلى مستوى الرسالة المنوطة بها.
تلك الموازين وأمثالها وأمثالها كثير في ميثاق شرف لحرية الكلمة مشترك مكتوب كان أو غير مكتوب، هي الضمان أن تكون حرية الكلمة التي نعايشها هذه الأيام وعبر إعلاء كلمة الحق، الكلمة السديدة الطيبة الصالحة النافعة المخلصة الصادقة، ثورةً هادفة للبناء لا الهدم والتقدم لا التخلف والوحدة لا التفرقة.
ومن قبل ذلك ومن بعده فإن الملتزم بتلك الكلمة يشمله مقتضى قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} سورة إبراهيم-الآية رقم 27.
والله من وراء القصد
__________________