لقد أدرك المسلمون فضل يوم عرفة والحج والأضحى بقوة إيمانهم، ولم يكن لديهم مذياع ولا تلفاز ولا وسائل إعلام مكتوبة أو إليكترونية تشوِّه أفكارهم وتشوِيْها على نيران الحقد، وتوهمهم بأن الزيارة العظمى تكون إلى البيت الأبيض، والمزار المقدس هو قبة البهائية في حيفا، وليس قبة الصخرة في بيت المقدس الذي بارك الله حوله.
لقد آمن المسلمون القدماء أن يوم عرفة من الأيام الفضيلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال فيه العثرات، ويباهي اللهُ تعالى فيه الملائكة بأهل عرفات، لأن الله تعالى عظَّم أمره، ورفع على الأيام قدره، فكان يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، وقد أخذ المسلمون هذه الحكم من كتاب الله وسُنة رسول الله، وصحابته الهادين المهديين، وقد جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً.
قال عمر أي آيه؟
قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) سورة المائدة، الآية: 3.
قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة".
وقال محمد صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) حديث صحيح رواه أصحاب السّنن.
وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (اليوم الموعود: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة.) "رواه الترمذي وحسَّنه الألباني".
وللحج في القرآن الكريم سورة خاصة، وفيها ما يدل على عظمة المشاعر المقدسة، وعظمة إقامة الشعائر حيث يقول الله تعالى: "وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" سورة الحج، الآية:32. وقال تعالى : ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ . ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) إلى أن قال تعالى: ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّر فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) سورة البقرة، الآيات: 198- 203 .
وما ينقص المسلمين في عصرنا هو تقوى القلوب التي ترتعد خوفا من أعداء الإسلام، وتتنازل عن حقوقها لكف جشع الطامعين الذين لا يشبعون، ولذلك تنتشر الأحزان بدلاً من الأفراح في بلاد المسلمين الذين كانوا يفرحون في أعيادهم ويتبادلون التهاني.